"غلبة الدين": هو أن يغلب الدين صاحبه المدين ويقهره، فيثقل عليه سداده أو يعجز عنه، فيصبح ويمسي مهموماً بالدين لا يهنأ بعيش ولا يغمض له جفن، يستحي من مقابلة الناس خوفاً من رؤية الدائن وسماع كلامه وإلحاحه، مترقباً وجساً من أن يطلب لحبس أو يهدد بقضاء.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يستعيذ من غلبة -أو ضلع- الدين كما روي في الحديث المتفق عليه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
"كثيرًا ما كُنتُ أسمعُ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ يدعو بِهَؤلاءِ الكلِماتِ اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ بِكَ منَ الهمِّ والحزنِ والعَجزِ والكَسلِ والبُخلِ وضَلَعِ الدَّينِ وغلبةِ الرِّجالِ"
وفي رواية "كان لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ دعواتٍ لا يدَعَهُنَّ.."
وهذا الدعاء من جوامع كلم رسولنا صلى الله عليه وسلم لأنه فيه استعاذة من جميع الشرور والمنغصات التي تؤثر على القلب والنفس والبدن وكل واحد منهم قرينان:
فالهم هو خوفك على مكروه قد يصيبك في المستقبل.
والحزن هو أثر مكروه حدث في الماضي.
فالاستعاذة منهما هي استعاذة من انشغال قلبك بمكروه حصل أو قد يحصل.
والعجز: هو عدم قدرتك على ما تريد من أمور نتيجة عدم وجود القدرة عندك أصلاً.
والكسل: هو عدم سعيك فيما ينفعك لضعف إرادتك مع قدرتك.
ففي الاستعاذة منهما استعاذة مما قد ينفعك في دينك أو دنياك سواء لعجز بدني أو لضعف أو خور وكسل في إرادتك.
وغلبة الدين: هو استعلاء الناس عليك بحق نتيجة استدانتك منهم وطلبهم بحقهم وعدم قدرتك على السداد.
وقهر الرجال: هو استعلاء الناس عليك بالباطل أو الظلم كبراً وعلواً في الأرض.
ففي الاستعاذة منهما استعاذة من علو الناس عليك وقهرهم لك سواء بالحق أو الباطل.
فقد جمع هذا الدعاء الاستعاذة مما يضر القلب أو الإرادة أو البدن.
ولما كان الدين له ثقل وهم على القلب كان المنبغي على العاقل ألا يستدين إلا لما له فيه حاجة لا غنى له عنها، ويستعين الله في سداد ذل ويجتهد في ذلك ويجعله أولويته ويوصي بذلك لأن نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه ، ويغفر للشهيد كل شيء إلا الدين.
وقد جاء في الحديث عند البخاري أن رسول الله قال (من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه ومن أخذها وهو يريد إتلافها أتلفه الله).
وقد صرنا في زمننا نرى كثيراً من الناس يستدينون لغايات استهلاكية وكمالية لا يحتاجون إليها وهذا من آثار نمط المعيش الاستهلاكي الذي اعتدنا عليه ، وبعضهم يستدين لمجرد التفاخر والخيلاء، وهذا نوع سفه وإسراف منهي عنه.
والله أعلم