لماذا يتحدث القرآن عن المستقبل بصيغة الماضي؟

1 إجابات
profile/د-محمد-ابراهيم-ابو-مسامح
د. محمد ابراهيم ابو مسامح
ماجستير في التربية والدراسات الاسلامية
.
٣٠ مايو ٢٠٢١
قبل ٤ سنوات
الإجابة: إن الحكمة من ذلك لتحقق وقوع المستقبل وما يقرره الله تعالى لا محالة، ولإفادة اليقين بوقوعه، حتى كأنه قد وقع ومضى وانتهى!

- والأمثلة على ذلك كثيرة في القرآن الكريم منها:
أولاً: قول الله سبحانه وتعالى: (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ) سورة النحل: 1)
فقَوْلُهُ تَعَالَى: (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ): أَيْ: قَرُبَ وَقْتُ إِتْيَانِ الْقِيَامَةِ. وَعَبَّرَ بِصِيغَةِ الْمَاضِي؛ تَنْزِيلًا لِتَحَقُّقِ الْوُقُوعِ مَنْزِلَةَ الْوُقُوعِ.

ثانياً: قول الله سبحان وتعالى: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ الْآيَةَ) سورة الزمر 68، أي أن النفخ في الصور واقع لا محالة، وهذا ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (كيفَ أنعَمُ وقدِ التقَمَ صاحبُ القرنِ القرنَ وحنَى جبهتَهُ وأصغى سمعَهُ ينتَظِرُ أن يؤمَرَ أن ينفخَ فينفخ قالَ المسلمونَ: فَكَيفَ نقولُ يا رسولَ اللَّهِ؟ قالَ: قولوا حَسبُنا اللَّهُ ونعمَ الوَكيلُ توَكَّلنا على اللَّهِ ربِّنا وربَّما قالَ سفيانُ: على اللَّهِ توَكَّلنا) أخرجه الترمذي وصححه الألباني.

ثالثاً: وقول الله سبحانه وتعالى: (وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا ۖ قَالُوا نَعَمْ ۚ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) سورة الأعراف (44).
- فهذه الآية الكريمة تُخبرنا عن وقوع هذا الأمر لا محالة وتصور حال أهل الجنة وحال أهل النار وهم ينادون على بعضهم البعض، ويقول أصحاب الجنة لأصحاب النار إنا وجدنا ما وعدنا ربنا من الجنة والنعيم المقيم، فهل وجدتم ما وعدكم ربكم من النار والجحيم المقيم؟!

رابعاً: قول الله سبحانه وتعالى: (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا..} الْآيَةَ 69 من سورة الزمر.

- فالآية الكريمة تصور لنا يوم الحساب والفصل بين الناس وأنه واقع لا محالة، ففي ذلك اليوم لا يُظلم أحد، ويكون الجزاء من جنس العمل.

خامساً: في قول الله سبحانه وتعالى: (وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا* وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ ۚ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّىٰ لَهُ الذِّكْرَىٰ) سورة الفجر (22-23)

 - فالله تعالى يخبرنا وكأن القيامة قامت وحضر رب العزة والملائكة للحساب، وجيء بجهنم يرونها رأي العين أمامهم يجرونها الملائكة! ففي ذلك اليوم العصيب يتذكر الإنسان ما عمل من أعمال في الدنيا من خير أو شر، ولكن هذه الذكرى لا تفيده إن كان عمله شراً وكان من أهل جهنم والعياذ بالله!
 -قال عبد الله بن مسعود، في قوله: (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ) قال: جيء بها تُقاد بسبعين ألف زمام، مع كلّ زمام سبعون ألف ملك يقودونها.

- وعليه: فالقرآن الكريم يتحدث عن المستقبل بصيغ الماضي لأمور عديدة منها:

أولاً: لأن حديث الله سبحانه وتعالى عن يوم القيامة واقع لا محالة وبالتالي فإن الله استخدم صيغة الماضي ليؤكد لنا ولغيرنا هذه الحقيقة، كأن الله يخاطب أولئك المشككين ويقول لهم: كما أنكم لا تشكون في الماضي الذي رأيتموه بأعينكم، كذلك ينبغي ألا تشكوا في المستقبل الذي ينتظركم، ألا وهو يوم البعث. ولذلك حدثتكم عنه بالماضي لأنه حق لا يمكن أن يتغير أو يتبدل.

ثانياً: والحديث عن المستقبل بصيغ الماضي أسلوب تفرد وتميز به القرآن الكريم، وهو دليل على أن القرآن منزل من عند الله، وليس كلام بشر، لأنه لو كان كلام بشر لكان العرب أول من يستغرب وينفر من هذا الأسلوب، ولكن على الرغم من أنه أسلوب غير مألوف لديهم إلا أنهم استجابوا له وعجزوا عن الإتيان بمثله وهذا من إعجاز القرآن.

ثالثاً: كما أن المستقبل بالنسبة لله كالماضي بالنسبة لنا (ولله المثل الأعلى)، فالله تعالى ليس مثلنا ينتظر يوم القيامة، سبحانه وتعالى، إنه يرى كل شيء وكل الأحداث هو خالقها، هو خالق الزمن وخالق الأيام وخالق المستقبل، ولذلك فهو يرى كل شيء، فأراد أن يؤكد هذه الحقيقة فجاء الحديث عن يوم القيامة بصيغة الماضي.
 
- والله تعالى أعلم.