لماذا قدم الله تعالى غض البصر على حفظ الفروج في قوله (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ)

1 إجابات
profile/د-محمد-ابراهيم-ابو-مسامح
د. محمد ابراهيم ابو مسامح
ماجستير في التربية والدراسات الاسلامية
.
٢٠ مايو ٢٠٢١
قبل ٤ سنوات
أولاً: لأن غض البصر طريق وسبيل لحفظ الفرج، وأن إطلاق البصر طريق وسبيل للفاحشة!
فالأهم في الأثم والجرم هو الزنا (وحفظ الفرج) ولكن القرآن الكريم جعل الأهمية في الدرجة الأولى لغض البصر من باب الأهمية المعنوية تقدم الخاص على العام، ولكنه عدل عن ذلك وتقدم العام على الخاص بحسب الأهمية المعنوية كذلك، وتقدم السبب على المسبب، وما أحسن ما رتَّب هذا الأمر، حيث أمر أولا بما يعصم من الفتنة ويُبعد عن مواقعة المعصية، وهو غض البصر، لأن النظر بريد الزنا ورائد الفجور والبلوى فيه أشد وأكثر، والبصر داعية إلى الفرج، لقوله صلى الله عليه وسلم:" العينان تزنيان والفرج يُصدِّق ذلك أو يُكذِّبه ". صححه الألباني.

ثانياً:
كما أن الحكمة من هذا التقديم هو التركيز على السبب أكثر من المسبب، والسبب هنا أهم من المسبَّب، لأن المتقدم في المنزلة والمكانة متقدم في الموقع والمتأخر في المنزلة والمكانة متأخر في الموقع كذلك.
وبهذا يتضح أن اللغة تقوم على الاحتياج المعنوي والأهمية المعنوية، وأن الإنسان يتحدث بمستويات متعددة وبلغات متعددة تحت رعاية الاحتياج المعنوي غالبا واللفظي نادرا مع علامات أمن اللبس، وأن الإنسان يتحدث بحسب الأهمية المعنوية في الأصل وفي العدول عن الأصل.

 ثالثاً:
وقيل لأن المقصود بحفظ الفرج هنا ليس من الزنا، إنما الحفظ هنا يعني الستر، فناسب تقديم غض البصر على ستر العورة، حتى لا يتم النظر إليها.

رابعاً: يقول سيّد قطب رحمه الله تعالى: "وحفظ الفرج هو الثمرة الطبيعية لغض البصر، أو هو الخطوة التالية لتحكيم الإرادة ويقظة الرقابة، والاستعلاء على الرغبة في مراحلها الأولى، ومن ثم يجمع بينهما في آية واحدة بوصفهما سبباً ونتيجة، أو باعتبارهما خطوتين متواليتين في عالم الضمير وعالم الواقع كلتاهما قريب من قريب"
 
 قد أمرنا الله عز وجل بغض البصر فقال سبحانه وتعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) (سورة النور: 30).)

- يقول الإمام ابن جرير الطبري في تفسير هذه الآية: قل للمؤمنين يغضوا: "يكفوا من نظرهم إلى ما يشتهون النظر إليه، مما قد نهاهم الله عن النظر إليه... فإن غضها من النظر عما لا يحلّ النظر إليه، وحفظ الفرج عن أن يظهر لأبصار الناظرين؛ أطهر لهم عند الله وأفضل".
{إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} يقول: إن الله ذو خبرة بما تصنعون أيها الناس فيما أمركم به من غض أبصاركم عما أمركم بالغضّ عنه، وحفظ فروجكم عن إظهارها لمن نهاكم عن إظهارها له.
- وغض البصر من أخلاق المسلم، فقد سمح لنا الإسلام بالنظرة الأولى وهي نظرة الفجأة فإذا تبع النظر الشهوة فهذا زنا العين وهو محرم.

- ولقد أمر الله تعالى المؤمنين والمؤمنات ذكوراً وإناثاً بغض البصر وخاصة فئة الشباب، فتنفيذ هذا الأمر هو طاعة الله تعالى، كما أنه طاعة لرسوله صلى الله عليه وسلم الذي نهانا كذلك عن النظر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [لا تتبع النظرة النظرة، فإن لك الأولى وليست لك الآخرة] (رواه أبو داود والترمذي).

- ومن فوائد غض البصر أنه يورث النور والبصيرة في القلب، فمن ترك النظر إلى ما حرم الله بنور عينه عوضه الله تعالى نورا في القلب، فيطلق له نور بصيرته يبصر به الحق من الباطل، {إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا}، والجزاء من جنس العمل، ولعل هذا هو السر في ذكر آية غض البصر في سورة النور؛ كما أشار إليه شيخ الإسلام.

- كما أن فيه قوله تعالى (ذلك أزكى لهم) يؤكد أن غض البصر فيه تزكية للنفس وتطهير لها من أوحال الرذيلة، والتزكية هنا تشمل النفس والروح والبدن والدين والعرض والقلب والخلق. كما أن غض البصر عن محارم الله يورث حب الله تعالى.