أود في البداية أن أثني عليك اهتمامك في هذا الموضوع الجوهري!؛ فتقدير الذات من الأمور التي لا يهم فيها رأي أي روح على وجه هذا الكوكب
سوى رأيك. فذلك يعني أن الخيارات التي تمتلكها في هذا الموضوع هي إما أن تتحمل مسؤولية إدراك الشخص المميز الذي أنت عليه، أو تعيش حياة كئيبة لا تستشعر قيمتها وتستمتع بها، تمضي كل يوم فيها تنتظر البطل الخيالي الذي سيأتي لينقذك ويضع عليك تسعيرة تشابه تلك التي توضع في المتاجر.
أعتقد أن التفريق بين تقدير الذات والثقة بالنفس ستكون البداية الأنسب لهذا الموضوع؛ فقد لاحظت من اختلاطي وتعاملي مع الآخرين أنهم يدمجون المفهومين سويًا ويجعلوهما يتعلقان ببعضهما البعض. الثقة بالنفس هو شعور أو إحساس تشعر به اتجاه امتلاكك لمهارات وقدرات معينة تدفعك على قيام بأفعال متعلقة بها؛ فالشخص الذي يشعر أنه سيكون قادر على احتراف رياضة السباحة سيمتلك ثقة بنفسه في هذه الرياضة تدفعه على ممارستها. فالثقة بالنفس كبقية المشاعر تزداد بسبب امتلاكنا للمهارات وتقل مع نقصان المهارات والقدرات.
بينما تقدير الذات هو مكانة معينة
ثابتة نضع أنفسنا فيها؛ بسبب امتلاكنا نظرة وفكرة وصورة ذاتية عن أنفسنا بكوننا أشخاص مميزين ونادرين. فبتقدير الذات لا نحتاج أن نفقد أو نكتسب أي مهارة أو قدرة أو شكل، ولا نغير من عيوبنا ولا مميزاتنا لكي نمتلك قيمة؛ فنحن في تقدير ذات نتقبل نفسنا بالصورة التي نحن عليها الآن دون ربطها بأمر أو مهارة نجيدها، ونتقبل عيوبنا ونعتبرها جزء من الشخص العظيم الذي ولدنا عليه.
يبدأ تقدير الذات
بالنقصان بشكل رهيب ومؤذي بحق عندما تربط قيمتك بأمور تعتقد أنه يجب عليك اكتسابها أو فقدانها، وعندما تكرر على نفسك الأفكار السيئة التي تصدر من نفسك أو يخبرك بها من حولك؛ فربما تخبر نفسك أنك أقبح من غيرك لأن شعرك بالشكل الذي هو عليه أو لأنك طويل أو قصير جدًا، أو أنك أقل قيمة من الذي حولك لعدم امتلاكك لشهادة جامعية أو أنك شخص مهمش لا يستطيع أخذ مسؤولية حياته بسبب بعض العادات والصفات التي تقوم بها.
هذا النوع من المحادثات الذاتية ستوجهك إلى منحدر كبير في جودة حياتك كونك ربطت قيمتك بأمور غير قابلة للتغيير كالشكل واللون والعرق والأصل، أو بربطها بالعيوب والأمور التي تنقصك التي بإمكانك العمل عليها كالعادات السيئة. ولأوضح لك سوء هذا الأمر؛ تخيل أنك تخبر هذه الأمور السيئة لأحد أصدقائك، كأن تخبره أنك لن تضع له أي قيمة في حياتك حتى يخسر بعض الوزن. ستكون ردة فعل ذلك الشخص إما بأن يغضب منك ويتركك وحدك ويرفض مقابلتك ومساعدك والتعامل معك مرة أخرى، أو يجرح بشدة ويمضي بقية حياته يغير بالأمور التي يخبره عنها الآخرون.
تَحدث نفس ردة فعل ذلك الصديق مع ذاتك؛ فإما تجد نفسك تنفصل عنها وعن حقيقتها، أو تقسم نفسك إلى أشتات محاولًا الوصول للصورة المثالية التي يرسمها لك الآخرون.
رفع تقديرك لذاتك سيكون طبعًا بتطبيق عكس الأمور التي تحدث عنها سابقًا، والمحاولة قدر الإمكان تجنب القيام بها، ولربما تبدو فكرة رفع تقدير الذات مبهمة وكبيرة جدًا عندما أضعها بهذه الطريقة؛ لذلك أنصحك بإدخال السلوكيات الآتية لحياتك لترفع تقديرك لذاتك ليحسن من تجربتك الذاتية بشكل ملحوظ:
1) كن واعيًا لأفكارك: فالحديث السلبي القاتل الذي يمر في عقلك وتسمح له بتحديد مكانتك وقيمتك سيكون دائمًا العائق الأكبر أمام طريقك للحياة التي تستحقها. تذكر دائمًا أن الخواطر والأفكار التي يخبرك بها صوتك الداخلي ستبقى
مجرد أفكار لا حقائق، وعندما تسمح لعقلك بالتفكير فيها مطولًا وتناقشها مع نفسك سينتهي بك الأمر بإيجاد أمور تثبتها حتى ولو كانت أمور تتوهم بها.
لذلك عندما تجد نفسك في دوامة من الأفكار السلبية التي تهاجم ذاتك قم بإيقافها فورًا بتذكير نفسك بكونها مجرد أفكار وكلام ترفض الاعتراف به كجزء من شخصيتك، وقم بعكس الكلام الذي فكرت به واشغل نفسك من بعد ذلك بمهمة ما لتتجنب مناقشة الفكرة مرة أخرى.
فعلى سبيل المثال لو مرت عليك فكرة مثل "شخص بمثل مستوى ذكائي لن يرى النجاح قطًا" قم بعكس الفكرة بأخرى أكثر منطقية وصحة كأن تخبر نفسك "مستوى الذكاء أمر لا يعترف فيه العديد من العلماء، ويعده أمر قابل للتطوير والتحسين، وأنا لا استمد قيمتي من شيء مهزوز مثله؛ خاصة أن عديد من أكبر العلماء والأشخاص الناجحين كان البعض يعتقد أنهم قليلو الذكاء". ثم قم مثلًا بتنظيف غرفتك أو قم بلعب الرياضة بعد ذلك أو قم بالقراءة عن
موضوع تطوير الذكاء حتى.
2) تعرف على ذاتك: فنحن نقدر ونحب الأشخاص الذين نعرف تفاصيلهم ونفهم شخصهم، وينطبق الأمر على ذاتك أيضًا. أجلس مع نفسك بشكل يومي وتحدث معها تمامًا كما تجلس للتحدث مع أصدقائك وعائلتك؛ اكتشف الأمور التي تحبها وتكرهها والسبب الذي يجعلك تشعر بذلك، ابحث في أعماقك عن الأمور التي تهتم بها وعن الأمور التي تجعلك سعيدًا، وعن الأمور التي تزعجك وتعكر مزاجك.
هذه الخطوة لن تكون سهلة في البداية وغالبًا إجاباتك لن تكون كثيرة أو حتى لن تجد أي إجابة، لكن مع الوقت ستصبح قوائمك طويلة ومتعددة؛ فأنت بشكل تلقائي ستصبح أكثر تركيزًا في تعاملك مع محيطك والأمور التي تقوم بها لكي تكون قادرًا على إعطاء نفسك الإجابات في تلك الجلسة.
3) تجنب المقارنة: ألا تعتقد أن مقارنة ذواتنا التي لا يوجد أحد ولد أو سيولد يشابهها تمامًا في الظروف والأفكار والشكل والشخصية أمر غير منطقي على الإطلاق؟. ذلك السؤال يختصر لك غرابة فكرة مقارنة أنفسنا بغيرها، فأنت لن تخرج منها إلا بروح مكسورة وحالة نفسية منخفضة تؤثر سلبًا على تقدير الذات لديك. لذلك الشخص الوحيد الذي يجب عليك مقارنة نفسك فيه بهدف التطوير والتقدم هي نفسك القديمة فقط.
أنت لست متأخرًا مقارنة بأقرانك، ولست أقل سعادة من الأشخاص الذين تراهم خلف الشاشات، ولا هم يستحقون الاحترام والسعادة وأنت لا تستحقها، تذكر أن البشر عادةً يخبروك ويظهروا لك الطرف المنير من حياتهم فقط ولا يأخذوك معهم خلف ستارتهم السوداء.
4) أمسك زمام حياتك: فالشخص الذي يعيش ويتصرف جميع الأشخاص في حياته سوى نفسه لن يأخذ نفسه على محمل الجد أبدًا ولن تشعر ذاته بأي احترام اتجاهه. خذ أمر التصرف في حياتك بيدك واترك إلقاء مسؤولية الأمور السيئة والأخطاء التي تقوم بها على غيرك. اسمح لنفسك بالقيام بالأخطاء وتخلى عن الفكرة العقيمة التي نشأ بعضنا عليها بأن" صنع الأخطاء أمر غير مسموح به"، جميعنا بشر نصنع الأخطاء حتى الذين قاموا بزراعة تلك الفكرة في داخلك.
صعوبة المادة الدراسية لا تجعل الخطأ يعود على مدرسها؛ فوضع الخطأ عليه
لن يحل أي شيء، قم بأخذ مسؤولية فهم المادة بالبحث عن طرق لفهمها وتسهيلها، ذلك سيشعر ذاتك بأنك تحترمها وتشعر بالمسؤولية اتجاه مستقبلها وتؤمن بأهمية نجاحها وتفوقها، ولا تنتظر من أحد أن ينقذك أو يحمل عبء فشلك.
5) كن واعيًا للأشخاص من حولك: مع أن الأشخاص من حولك يفتقرون قدرة الرفع من تقديرك لذاتك تجدهم قادرين على الإنقاص منه. فعندما ينتهي بك الأمر بالتعامل مع الأشخاص الذين يقللون من ذاتك ومن قيمتها قم بإيقافهم على الفور، ويفضل أن تتجنبهم بشكل تام وتقطع صلتك معهم إذا كنت قادرًا على ذلك؛ فأنت وكينونتك لستما موضوع ضحك وانتقاد لأشخاص منخفضو النضج العاطفي الذين يبحثون عن رفع قيمة أنفسهم بإيذاء غيرهم.
6) لا تترك نفسك للملل والفراغ: فالفراغ الذي تجد نفسك مغمورًا فيه سينتشر بعد مدة إلى داخلك، والملل ما هو إلا إشارة ربانية على أنك تقوم بتضييع وقتك بما لا ينفعك أو تضعه في القيام بأمور وفي تواجدك في أماكن لا تناسبك. عندما تجد نفسك في عمل أو مكان لا توجد لحظة فيه لا تشعر فيها بالملل ذلك يعني أنه قد حان الوقت لتغيير المكان أو المجال بأكمله؛ فأنت لن تكون قادرًا على حب ذاتك وتقديرها في مكان لا يعكس حقيقتها. قم بتعلم الهوايات والمهارات لتقوم بها خاصة في وقت الفراغ؛ ستشعرك المهارات والهوايات بالاستمتاع والإنجاز الذين يحفزون بطبيعة الأمر قدرتك على فهم ذاتك وتقديرها.
رحلة تقدير الذات من الرحل الممتعة التي ستدرك في كل لحظة فيها أهميتها ولذتها، سترى فيها ومنها رغد الحياة في هذه الدنيا. ما يجعل معظمنا يتجنبون هذه الرحلة هو أنها رحلة طويلة بحق وتحتاج كم هائل من الصبر والتحمل، وستفشل بها وتشعر أنك عدت فيها لنقطة الصفر أكثر من مرة. لكنها في النهاية رحلة تستحق العيش لأنها ستعلمك كيف تعيش حقًا،
وأنت تستحق العيش بشكل حقيقي. لذلك بغض النظر عن عدد المرات التي تشعر فيها أنك فشلت في هذه الرحلة؛ قف على أقدامك وحاول من جديد، ستكون قادرًا يومًا على رؤية المعجزة التي ولدت أنت عليها.
لتتعرف على المزيد في هذا الموضوع، تابع المراجع الآتية:
*
https://www.psychologytoday.com/us/blog/nurturing-self-compassion/201703/8-steps-improving-your-self-esteem
*
https://www.youtube.com/watch?v=eUWzQxxDzWE