أولاً : اعلم أن هذه الوساوس لا تحاسب عليها ما دامت مجرد هواجس وحديث نفس ، لإن الإنسان لا يأثم على ما حدثته به نفسه ما لم يعمل بهذا الحديث أو يتكلم كما جاء في الحديث الصحيح ، أما إذا أتبعت هذه الوساوس بعمل كأن حكمت على الناس بمجردها وخضت في أعراض الناس فإنك تحاسب على ذلك .
ثانياً : اعلم أن أصل هذه الوساوس من الشيطان ، لأنه يقصد بها نشر العداوة والبغضاء بين المسلمين ، فالشيطان يسعى ويجتهد في إفساد ذات البين والتحريش بين الناس وإيقاد نار الحقد ، فذلك مما يعينه على تحقيق مقصوده في إغواء بني آدم .
جاء في الحديث " إنَّ الشَّيْطانَ قدْ أيِسَ أنْ يَعْبُدَهُ المُصَلُّونَ في جَزِيرَةِ العَرَبِ، ولَكِنْ في التَّحْرِيشِ بيْنَهُمْ " (رواه مسلم).
ثالثاً : مما يعينك على التغلب على هذه الوساوس أمور منها :
1. معرفة أن الشريعة أمرت بحسن الظن ودعت إليه ، ونهت عن إساءة الظن غير المبني على قرائن وأدلة واضحة وعدته من أكذب الحديث .
قال تعالى " يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن ، إن بعض الظن إثم " ( الحجرات)
و قال عليه السلام ( إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ) (متفق عليه)
وبناء على ذلك فعملك بمثل هذه الوسواس مخالف لأمر الله وأمر رسوله .
2. أن تبحث في كل تصرف تسيء فيه الظن بالآخرين عن أعذار لهم وتجتهد في ذلك ، فضع نفسك موضعهم وانظر كيف ستتصرف لو كنت في مكانهم ، وكلما وسعت دائرة العذر للناس كلما ضاقت دائرة إساءة الظن في المقابل .
قال ابن سيرين رحمه الله:"إذا بلغك عن أخيك شيء فالتمس له عذرا، فإن لم تجد فقل: لعل له عذرا لا أعرفه" .
3. احمل كلام الآخرين وأفعالهم على أفضل المحامل وأكملها وأفضلها ، ولا تفسرها وفق هواك أنت .
عاد رجل الإمام الشافعي رحمه الله وهو مريض فقال له : قوى لله ضعفك، قال الشافعي: لو قوى ضعفي لقتلني ، قال: والله ما أردت إلا الخير ! فقال الإمام: أعلم أنك لو سببتني ما أردت إلا الخير !
4. إساءة الظن بالنفس ، والرجوع عليها باللوم عند إساءة ظنها بالناس واتهامها أنها إنما أساءت الظن بغيرها لسوئها ونقصها هي وليس لسوء الناس .
5. استشر من تثق به من أهل الفهم والعلم والاستشارة وصارحهم بظنونك ، وانظر ماذا يشيرون عليك بشأنها ، وهل أنت مصيب فيها أم مخطئ .
6. الاستعاذة الله من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه ، فكلما دعاك إلى إساءة الظن بالآخرين استعذ بالله منه ومن وسوسته .
والله أعلم