كأم، كيف تمنعين تجربة الأمومة من سلب حياتك واستنزافها؟

2 إجابات
profile/أريج-عالية-1
أريج عالية
educational consultant في freelance (٢٠١٨-حالياً)
.
٢٨ فبراير ٢٠٢١
قبل ٤ سنوات
  تجربة الأمومة هي تجربة جميلة بالرغم من صعوبتها، ودقة تفاصيلها، والحاجة لإنجازها بأفضل الطرق، والبحث عن كيف وأين ومتى ولماذا نقوم بالعمليات والتكتيكات والاستراتيجيات التي نتخذها لاستكمال هذه التجربة بسهولة وكفاءة. علينا أن نتذكر أن الأمومة هي غريزة كل أنثى، وليس بالضرورة أن تكون الأم متصلة بيولوجيًّا بالطفل. فتجد الصغيرات يمارسن هذه الغريزة تلقائيًّا مع عرائسها، ومع قططها، ومع أقربائها الرضع دون إرادةٍ منها. إذ تجد الصغيرة تُقبِّل الرضع وتهز لهم المهد، وتزاحم الكبيرات في المساعدة في إرضاع أطفالهم صناعيًّا أو حتى إلهائهم وقت تغيير الملابس أو حين بكائهم.

ومع روعة وجمال هذه التجربة، وممارسة العواطف الغريزة من الأم تجاه صغارها، إلا أنها قد تكون تجربة غامرة جدًا، لاعتقادنا أن علينا أن نكون الأم الخارقة أو سوبر ماما. لنستسلم في النهاية للضغوط لنصبح أمهات مفرطات الإنجاز، ونفقد هوياتنا الذاتية خلال هذه المرحلة من حياتنا. فقدان الهوية هذا يبدأ من خلال قائمة من المطالبات التي تبدأ ولا تنتهي، ولا تترك مجالًا للراحة. بدءًا من الليالي التي لا ننام بها أبدًا، والاعتناء بمتطلبات المنزل والزوج والمناسبات الاجتماعية، وكأنك نوع من السيدات الآليات اللواتي يعملن ودومصا الابتسامة تعلوهن. أتذكر أنني لم أنم لمدة ثلاثة أيام متواصلة بسبب ابنتي الرضيعة، والعناية بأطفالي، وعملي كمعلمة للتحضير للدروس وتصحيح الامتحانات ورصد العلامات، لكن في اليوم الرابع انهرت تمامًا وأخذت أبكي في عملي في حصة الفراغ، حتى غفيت وأنا جالسة على مكتبي. رأتني مديرتي على هذه الحال، فوضعت وشاحها عليّ وطلبت معلمة للإشغال عن حصتي بعد الفرصة، لاستيقظ بعدها وأشكرها على مراعاتها الإنسانية للوضع الذي كنت أواجهه.

هذه الأعباء لا يستطيع الكثير تقدير الجهد المبذول بها. فقد أشارت الدراسات أنه يتعين على أمهات الأطفال ما قبل المدرسة العناية بأطفالهن 210 مرات على الأقل يوميًّا. فالغسيل وحده قد يستغرق الكثير من الوقت، حيث يتوجب فصل ملابس الرضيع عن ملابس الصغار عن ملابس الكبار، وجعل لكل ملابس حمولة خاصة. وأتذكر أنني كنت أغسل ملابس الرضيع على يدي حتى لا تتكتل أو تتجعد وتبقى ناعمة للملمس؛ وهذا جهد إضافي لأني كنت أغسل هذه الملابس يوميًّا وبعد كل تغيير لملابسه.

كما أن جهد العناية بطفل رضيع وأطفال في المدرسة مرهق ومزعج في الوقت ذاته، وخاصة إذا كانوا متقاربين في العمر. وتكمن الكارثة إذا كان اعتماد الأطفال هؤلاء كليًّا عليك. فكنت أقوم بتدريس ابني في الصف الثالث، وإطعام أخته بنفسي ذات السنوات الخمس؛ ولأكون دقيقة استمر إطعامها بيدي حتى الصف الثالث لأنها كانت بطيئة جدًا في الكل، وعلى الاستعداد للبقاء بجوار طبقها طيلة اليوم دون تقدم يذكر. هذا أنا ولدي فقط طفلين، فماذا ستكون حالة من لديها أطفالًا أكثر؟. بالتأكيد ستكون في حال يرثى لها، وهنا قد يكون أمامها بعض الخيارات: إما إهمال نفسها والاهتمام بأطفالها وبيتها وزوجها، أو التركيز على الأطفال والبيت فقط وإهمال باقي أطراف المعادلة، أو الاهتمام بنفسها على حساب كل ما تبقى. وهذه كلها حلول خاطئة، لذا يجب التفكير بطرق تمنحنا بعض الوقت الذاتي والشعور بهويتنا الذاتية، دون التقصير مع باقي الأطراف.

لكن علينا تحديد العوامل التي تفقدنا هويتنا الذاتية، لنتمكن من فصلها أو التعديل عليها لنسترجع ما كنا عليه سابقًا أو جزء منه. من هذه العوامل:

*الأمومة تغير حياتك: قد يكون المرور بتجربة الأمومة الفريدة هي التي تفقدنا ذاتنا، بسبب التغييرات على الشخصية والمزاج العام. فقد تمنعنا متطلبات أطفالنا أن نقوم بالأشياء التي كنا نستمتع بها. من تجربتي الخاصة، منعتني أمومتي من التفكير في دراسة الماجستير، كما أن هوايتي في القراءة أصبحت معدومة لعدم وجود الوقت المخصص، وكان ميلي كبيرًا للجلوس في المنزل بدلًا من تمضية بعض الوقت مع الصديقات. فحياتي لم تعد كالسابق، مع فقدان الإحساس بمن أنا. لأن الحياة تدور حول احتياجات أطفالي وتتمركز حول متطلباتهم لا حولي.

*الأمومة تحد من حريتك: سابقًا كنت المسيطرة على حياتي، ووقتي، ومتطلباتي. كنت أقرر ما الذي سأفعله اليوم- في الواقع كان هذا واضحًا بعد أن أصبحت ابنتي في الصف الخامس وابني في الصف الثامن واعتمدت عليهم في الاهتمام بأنفسهم على الأغلب، ونظمت حياتي من جديد، وبدأت أستعيد رتمها ونمطها الفريد مرة أخرى‘ وإذ بي حاملًا من جديد في ابنتي الأخيرة لأفقد السيطرة من جديد-، وكنت أنظم وقتي بشكل جيد، بحيث أجد وقتًا للراحة والعمل والنوم. لكن بعد طفلتي الخيرة انقلبت الموازين، فلا ساعات كافية تتناسب مع ما أود عمله لأن لها الأولوية، مع المهام الأخرى التي كانت على عاتقي.

* الأمومة تنطلق من طاقتك: الأمومة أمر مرهق، خاصة في مرحلة الرضاعة والطفولة المبكرة لأطفالك. مع النوم المعدوم أو القليل، والحاجة لقضاء متطلبات كثيرة مثل الإطعام، والاستحمام، وتغيير الملابس. أحيانًا بكاء الأطفال دون سبب معروف يجعلك تدخلين في موجة بكاء معه.

لذا محاولة التعامل مع حالات أطفالك المختلفة تتطلب قوةً عقلية وبدنية ونفسية كبيرة، وتحتاج إلى طاقة عالية حتى تقومي بأعمالك دون أن تفقدي صوابك.

إليك بعض النصائح لإعادة اكتشاف ذاتك المنسية:

مهما حاولنا ستبقى الأمومة جزءًا من هويتنا الذاتية، لكن علينا أن لا ندعها تطغى علينا، وتمنعنا من إدراك ذاتنا كما ينبغي. من الجيد أن نقوم بالتضحيات، لكن ضمن المعقول، فأطفالنا سيكبرون يومًا، ولن يتذكروا إلا الجزء اليسير من هذه التضحية، الجزء الذي يرونه مناسبًا لأفكارهم ومعتقداتهم الشخصية. وعندها سندرك أن الأمومة قد سحقتنا بالفعل؛ لذا علينا استعادة هويتنا قبل أن نفقدها، وذلك من خلال:

1. العناية بالنفس: قد تعتقدين أن هذا الأمر بديهيًّا، لكن انتظري قليلًا! الكثير من الأمهات يهملن أنفسهن لأجل راحة أطفالهن، أو لصالح تلبية حاجات أسرهِّن. ومن ذلك عدم النوم، أو الإهمال في حميتهن الغذائية، أو تأجيل زيارة الطبيب عند المرض، أو حتى تناول دوائهن إن كنّ يشكون من أمراض معينة. هذا كله غير مقبول تمامًا، فأطفالك بحاجة لأم معافاة جسديًّا ومعنويّا، حتى لو كبروا، أنهم يرون تقدمهم وإنجازهم، وقوتم من خلالك فلا تخذليهم.

2. التخطيط للمدى القصير: اكتبي أهدافك على المدى القصير. مثلًا، سأحضر من يساعدني وأثق به في العناية بالأطفال لساعتين، وأذهب لأعتني بشعري وأقصه. سأنضم لنادي للقراءة عبر الإنترنت وأفرغ نفسي ساعة يوميًّا للمتابعة. عليك كتابة ما تفتقدينه في حياتك، وتصرين على عمله في الوقت الذي حددته. بالطبع عليك أن تكوني واقعية، تبعًا لأوضاعك ومسؤولياتك. قد أنصحك باستراجة أسبوعية أو شهرية للهروب قليلًا من مهام أمومتك بالتعاون مع زوجك أو أحد أفراد أسرتك، مثل والدتك أو أختك.

3. التواصل مع الزوج والأصدقاء: عليك اكتشاف هويتك بقضاء وقت نوعي مع من تحبين. تناولي القهوة بهدوء صباحًا مع زوجك، وتبادلوا أطراف الحديث. كذلك مكالمة هاتفية مع الأصدقاء أو تناول القهوة في منزلهم أو منزلك واستعادة ذكريات الماضي ستجعلك في أفضل حال.

4. البعد عن المقارنات: لا تنظري للوراء، وتقارني حالك بغيرك، وتبكين على أطلال الماضي. عليك أن تكوني ممتنة لما أنت عليه الآن، وكوني أكثر صبرًا وحكمة، فأنتِ القديمة التي تغيرت وأصبحت أكثر نضجًا في النظر للحياة ومرتكزاتها.

5. المزيد من المساعدة: وهذه من أفضل النصائح؛ والتي في الواقع ندمت على عدم تنفيذها حتى الآن؛ وأدرك أن ذلك لأسباب في شخصيتي وميلها للكمال. من الجيد أن تستعيني بمن يساعدك في المنزل مرتين في الأسبوع، أن يشاركك زوجك في بعض المهام البسيطة، دعوة والدتك أو أختك أو شقيقة زوجك للبقاء مع أطفالك مرة في الأسبوع أو ذهابهم لمنازلهم، لتقومي ببعض الأنشطة السريعة؛ مثل قص الشعر، التبضع لشراء ثوب جديد، أو حتى تناولك لكوب من القهوة وحدك.

6. لا تضغطي على نفسك: أنت لست آلة. اعملي ما يمكنك القيام به فقط. ومن تجربتي الشخصية أقول لك هناك الكثير من الأعمال التي يمكنك تأجيله؛ اطبخي على يومين، نظفي البيت على قدر استطاعتك أي لا داعي للتعزيل اليومي لأنك ستفقدين طاقتك تدريجيًا في القريب العاجل أو في المستقبل القادم، يمكنك الغسيل مرة أو مرتين في الأسبوع فلا داعي للغسيل اليومي. علمي أطفالك على الاعتماد على أنفسهم في دراستهم وقومي بعملية مراجعة الواجبات وتسميع لمحفوظات وتدريس الامتحانات، ثم خصصي آخر الأسبوع للمراجعة الخاصة للدروس.

تذكري عزيزتي أنك أم نفسك، قبل أن تكوني أم أطفالك، فحافطي على هويتك من الضياع، أطلقي لها العنان، ونظمي وقتك ضمن أطر تسمح للجميع، بما فيهم أنت، أن يأخذوا حقهم في الحياة بالطريقة التي تليق بهم وبك. 

  • مستخدم مجهول
  • مستخدم مجهول
قام 2 شخص بتأييد الإجابة
profile/ميس-نبيل-طمليه
ميس نبيل طمليه
كاتبة في مجال تطوير الذات الذكاء العاطفي في عدة مواقع إلكترونية (٢٠٠٧-حالياً)
.
١٧ فبراير ٢٠٢١
قبل ٤ سنوات
بداية أريد أن أشرح أمراً... وهو أنني لست أماً بيولوجية، ولكنني أهتم بابن أختي "عمر" ذو الـ 8 سنوات والذي يعاني من ضمور في الدماغ... كان عمر يقيم مع أسرته في دبي، ولكن والداه قد أرسلاه هنا لعمان ليبقى معي لحين تلقيه العلاج والتأهيل اللازمين لحالته، والذين لم يجدونهما في دبي بنفس الجودة الموجودة هنا في عمان. وبما أنني المسؤولة عنه الآن فأعتبر نفسي أماً ثانية له، وقد هيأت الظروف لأتأقلم مع هذه المسؤولية الجديدة التي وجدت نفسي قد تحملتها في يوم وليلة! فقد تحولت من فتاة حرة تعمل كمسؤولة برامج في إذاعة أردنية إلى أم لطفل هو ليس كأي طفل - فهو طفل يعاني من تحدياتٍ خاصة- أتابع حالة عمر بكل تفاصيلها ليتحسن ويعود لحضن أمه الحقيقية وهو في أحسن حالٍ إن شاء الله.

في البداية لا أنكر أنني استنفزفت بكل ما في الكلمة من معنى، وسلبت حياتي، وقصرت في عملي، وأجلت العمل على مشروعي الخاص الذي كنت أحلم بإنشائه منذ طفولتي، وساءت صحتي فعانيت من آلامٍ في الظهر والركبتين بسبب حملي لعمر في الفترة التي كانت فيها معيناته الحركية "جبائر قدميه" ليست جاهزة بعد.  وبعد أن وبخت من والدتي، وهددتني أختي -أم عمر- بأن تعيد عمر إلى دبي لو استمريت في إهمالي لنفسي قررت أن أتغير لأعود لسابق عهدي.

فقررت أن أهتم بنفسي وبراحتي وسعادتي لينعكس ذلك على عمر... ما قمت به ببساطة هو تنظيم وقتي، والثقة ببعض الناس ليشاركوني مسؤولية عمر كل حسب مجاله أو قدراته؛ فأصبحت أتركه في المركز من الساعة 9 صباحاً وحتى الساعة 1 ظهراً، ومن ثم أعود لآخذه كباقي الأهلي - فلا أخفيك، فقد كنت في البداية أرفض تركه، وأبقى أنتظره في غرفة الانتظار لحين انتهاء دوامه 😅- كما أصبحت أتشجع أن أتركه مع والدي ووالدتي لحين ذهابي لشراء بعض الحاجيات، وأحياناً أتشجع بأن أتركه لينام معهما بينما أنعم أنا بساعات إضافية من السهر لأشاهد فيلماً أو أحضر لنفسي العشاء أو أقضي بعض الوقت لأتصفح الفيسبوك والانستغرام والواتساب، والرد على الناس الذين كانوا قد أرسلوا لي رسائل في النهار خلال انشغالي مع عمر.

وقد لاحظت أن هذا الأمر قد انعكس إيجابياً علي وعلى عمر؛ فالطفل يرتاح عندما يرى أمه ومن حوله مرتاحين، فيحس بأنه لا يشكل عبئاً عليهم ولا يحملهم أكثر من طاقتهم، وخصوصاً إن كان من ذوي التحديات الخاصة، أو يعاني من مرض أو مشكلة ما.

بصراحة... أحياناً أعتقد أن كثيراً من الأمهات يختلقن موضوع أن لا وقت لديهن وأنهن مستنزفات ربما لاستمتاعهن بلعب دور الضحية، وأحياناً ربما لأنهن قد صدقن الصورة النمطية التي طبعت ورسخت في أذهانهن بأن تكون الأم مضحية بنفسها ووقتها وأحلامها وحياتها المهنية والاجتماعية وكل شيء لأجل أبنائها!

أنا لا أعمم طبعاً وأعرف أن هناك أمهات قد لا يمتلك الوقت الكافي فعلاً، وأن الأمومة قد استنزفتهن، وخاصة الأمهات اللاتي لديهن ظروفاً تختلف عن الباقيات كأمهات الأطفال من ذوي التحديات الخاصة مثلاً، أو الأمهات اللاتي يعلن أطفالهن لوحدهن، أو الأمهات العاملات... ولكنني أقترح على جميع الأمهات بأن يفكروا بالجزء المليء من الكأس... فيقنعوا أنفسهم أن تغييرهم لنمط حياتهم سينعكس إيجابياً على أبنائهم قبل أن ينعكس عليهن شخصياً وأن يغيرن تفكيرهن وأن يخططن وينظمن أوقاتهن، وألا يخجلن من طلب المساعدة من المحيطين بهم إن احتجن ذلك لتتغير حياتهن وليمنعن الأمومة من استنزافهن.