المدرسة جواز السفر للمستقبل والغد
عند مدخل إحدى الجامعات بإفريقيا الجنوبية كُتبت اللافتة الآتية:
"إن تدمير بلد لا يتطلب استعمال القنابل الذرية أو الصواريخ بعيدة المدى ، يكفي تخفيض نوعية التربية والتعليم والسماح بالغش في الامتحانات ، حينها سيموت المريض بين يدي الطبيب وستنهار المباني على يد المهندسين وسيُهدَر المال على يد الإقتصاديين والمحاسبين وستموت الإنسانية على يد علماء الدين وستضيع العدالة على يد القضاة".
من هذه الكلمات نفهم الدور الكبير الذي تقوم به المدرسة أو (منظومة التربية والتعليم) في صناعة الإنسان، وإنتاج أجيال تحمل رسالة واضحة ومبادئ راسخة نحو المستقبل بعيداً عن الجهل، التعصب والأفكار المتطرفة بحيث يكون هذا الجيل قادر على حل المشاكل التي تواجهه متسلحاً بالعلم والمعرفة.
المدرسة هي البيت الثاني للطالب بعد الأسرة وتُعتبر المكمل الرئيس لدور الأسرة ومن وجهة نظري أعتبرها التطبيق العملي لكل المبادئ التي نشأ عليها منذ نعومة أظفاره، فيقضي الطفل أو المراهق فيها وقت طويل ما يقارب السبع ساعات يومياً.
فالهدف الرئيسي للمدرسة هي التربية ثم التعليم؛ إذا أن الدور التربوي الذي تقدمه المدرسة لطلابها لا يقل أهمية عن دورها التعليمي لذا ما الفائدة من تخريج أجيال تقرأ وتكتب بلا أخلاق أو مبادئ أو وعي كافي بحيث تستغل هذا العلم لبناء الفرد لنفسه وتحقيق ذاته والرقي بمجتمعه ووطنه.
فلا ننكر أهمية المدرسة التعليمية ولكن إلى جانب التعليم ترتبط التربية وتنمية قدرات ومهارات الطالب ارتباطاً وثيقاً بحيث ينعكس على الطالب بالأثر الإيجابي المرجو من هذه المنظومة المجتمعية المهمة.
تكمن الصورة التربوية و أهميتها التي تقدمها المدرسة للأجيال في مختلف الفئات العمرية في العديد من المناحي أذكر لك منها :
- يخرج الطفل من بيته الأول وأحضان أسرته الدافئة ليدخل في الحياة العملية المدرسية فيكوّن صداقات و يلتقي يومياً بزملائه ومعلميه؛ فهذا الروتين يدربه بصورة غير مباشرة على التكيف مع المجتمع في الحياة عموماً.
- من وجهة نظري أن الدور التربوي الذي تلعبه المدرسة باعتبارها المنبع الرئيسي للمعرفة في المراحل المختلفة (الأساسية، الإعدادية والثانوية) بتوسعة مداركه وآفاقه المستقبلية وتُحسن من تعلمه الفضائل العامة و المفاهيم الأخلاقية التي تحكم بيئة العمل فيما بعد أو حياته الإجتماعية، كالإنضباط، الإحسان، الأخلاص، التسامح، الصدق والمثابرة وهذا دور المرشد التربوي تحديداً والمعلم بشكل عام في إرشادهم إلى السلوك السليم في التعامل مع الكادر التعليمي أو زملائهم في الصف وخارجه.
- يوجد في كل غرفة صفية مجموعة من الطلاب يقرأون معاً يخرجون لممارسة الرياضة معاً ويجلسون معاً في فترات الإستراحة كل هذه اليوميات المدرسية تعزز روح العمل الجماعي وتقوي مهارات التواصل والإتصال لديهم.
- في المدرسة أيضاً نشاطات تربوية لامنهجية خارج إطار الغرفة الصفية والمناهج الأكاديمية كالمشاركة في المسابقات كإلقاء أو كتابة الشعر، المسرحيات ورسم الخط العربي وغيرها هذه النشاطات التي تساعد على تنمية قدراتهم الإبداعية وتوفر الأساس لكي يكتشفوا مواهبهم ومهاراتهم الخاصة.
- تم تطوير المدرسة بدورها التعليمي بصورة أفضل من ذي قبل فنجد أنها تبني أسساً تربوية غير مباشرة داخل الغرفة الصفية على سبيل المثال في حصة الرياضيات يتعلم الطالب حل المشاكل الرياضية الصعبة أو مثلاً تلاوة القصائد الأدبية في حصة اللغة العربية والتعرف على الأحداث التاريخية في حصة التاريخ أو الإجتماعيات؛ فهذا السيناريو التعليمي اليومي يعلم الأجيال كيف تصبح مرنة أكثر من خلال تعزيز دور الطالب والخروج عن إطار التعلم التقليدي المعتمد على التلقين فأصبح هنالك اعتماداً على البحث باستخدام مكتبة المدرسة أو الحواسيب وغيرها. فتحرك الفضول العلمي عند الطالب لكي يسأل ويطرح التساؤلات التي تحتاج إلى توضيح وفهم من قبل المعلم فيتيح لخياله أن يخرج من بوتقته المعتادة لينطلق إلى مساحات أوسع في الفكر والمعرفة.