يتطلب عملي السفر كثيرًا وأحيانًا أرفض ذلك خوفًا من الوقوع في الإثم نتيجة البعد عن زوجتي، فما أقصى مدة لبعد الزوج عن زوجته؟

حياك الله السّائل الكريم، وأرشدك لِما فيه الخير والصلاح، واعلم أنّ مسألة البعد عن الزوجة للسفر والمدّة الأقصى في ذلك من الأمور التي يُراعى فيها العرف، حيث يختلف ذلك بحسب الزمان والطّباع والأحوال، وقد يختلف من زوجةٍ إلى أخرى كذلك، ويجب مراعاة المصلحة في تقدير تلك المدّة.

وقد تحدّث أهل العلم في تحديد مدّة غياب الزوج كثيراً، وقيل إن المدّة القصوى لغياب الزوج عن زوجته للسفر هي ستّة أشهر، واستندوا في تحديدها على ما جاء عن عمر -رضي الله عنه- عندما سأل ابنته حفصة: "كم تصبر المرأة عن زوجها؟ فقالت: خمسة أشهر، ستة أشهر"، وبناءً عليه وقّت للناس في المغازي ستّة أشهر؛ منها شهران ذهاباً وإياباً، وأربعة أشهرٍ للإقامة.

ولكنّ هذه الأمور أخي الكريم تبقى من الأمور الاجتهادية، فقد اجتهد عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه- في ذلك، ورأى أنّ هذه المدّة تراعي مصلحة الطرفين في زمنه، والأمور الاجتهادية قد تتغير بتغيّر الزمان والحال والمكان، وزماننا الذي كثُر فيه الفِتن يختلف عن زمان عمر -رضي الله عليه-.

لِذا يقول الشيخ عطيّة: "لعل ذلك كان مناسبا للبيئة والظروف التي ينفذ فيها هذا القرار، والبيئات والظروف مختلفة، والشعور بالبعد يختلف بين الشباب والكبار"، وبناءً على ذلك فقد نصح العلماء أن يكون تحديد هذه المدّة بالتّراضي بين الزوج وزوجته، لأنّهما أعلم الناس بحالهما وما يُطيقانه، فإذا تمّ الاتّفاق على مدَّةٍ يعرف الزوجان فيها إطاقتهما للصبر على الغياب فلا بأس في ذلك.

أمّا إذا اختلفا في تقدير هذا الأمر وجب عليهما الرجوع إلى القضاء حتى يتولّى القاضي تحديد هذه المدّة بما يُناسب مصلحة الزوجين، ويقول ابن عثيمين -رحمه الله- بعد أن تحدّث عن جواز التراضي بين الزوجين على المدّة: "... أما إذا طالبت بحضوره فإن هذا يرجع إلى ما لديهم من القضاة يحكمون بما يرونه من شريعة الله عز وجل".

وكما أنّ الزوجة تُنصح بالصبر على عمل زوجها وغيابه لتوفير متطلّبات الحياة الكريمة لهما ولأسرتهم، فيُنصح الزوج كذلك بعدم إطالة هذه المدّة ومراعاة مصلحة الزوجة والموازنة في ذلك قدر الإمكان؛ إبقاءً لمشاعر السعادة النفسية لهما وللأولاد، وعِصمةً للزوجين من دخول الفِتن والمشاكل في حياتهما.