هل يعتبر الذكر من الخبيئة؟

2 إجابات
profile/د-محمد-ابراهيم-ابو-مسامح
د. محمد ابراهيم ابو مسامح
ماجستير في التربية والدراسات الاسلامية
.
١٠ مارس ٢٠٢١
قبل ٤ سنوات
نعم، يعتبر الذكر  خبيئة إن كان سرا بينك وبين الله تعالى ولا يعلم به أحد.
فالذكر والدعاء  الذي يكون خفياً بين العبد وربه من أفضل وأحسن وأزكى وأنماه أجراً عند الله تعالى.

فالخبيئة الصالحة: هي كنز  عظيم من كنوز الحسنات التي سيلقاها العبد في قبره وأعماله، وهي أن يجعل العبد بينه وبين الله تعالى طاعة أو عبادة من غير الفريضة، أو عملاً صالحاً لا يطلع عليه أحد حتى أهله... إلى أن يلقى الله.

-قال تعالى: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ}، سورة الأعراف  الآية 205

-وتعتبر الخبيئة زينة العبد في خلوته، وزاده في آخرته , ونورا في قبره , فبها  تنال محبة وزرضا الله تعالى وتُفرَج الكربات وتسمو الدرجات وتكفر السيئات وتظفر بالجنان.

-ويعتبر القيام في جوف الليل والاستغفار بالإسحار والناس نيام من أعظم الأسرار بين العبد وربه - فيقوم من الليل ويناجي ربه بما يشاء .

-فالخبيئة هي عبادة الله تعالى سراً وخفية.
فهي زينة العبد في خلوته، وزاده من دنياه لآخرته، بها تفرج الكربات، وترتفع بها  الدرجات، وتكفر بها السيئات.
فهذه العبادة السرية وطاعة الخفاء.. لا تخرج إلا من قلب  مسلم كريم قد ملأ حب الله سويداءه، وعمرت الرغبة فيما عند الله أرجاءه، فأخفى عمله،  وأنكر نفسه ,وتجرد لله يطلب القبول والرضا  ، فما أجمل هذه النفوس الطيبة، والقلوب النقية، والنيات الصافية.. التي تخفى عن شمالها ما تنفق يمينه.

-والخبيئة  دليل الصدق، وعنوان الإخلاص، وعلامة المحبة، وأثر الإيمان.
وقد يعجز عنها المنافقون، لا يقوى عليها الكذابون، ولا يعرفها المدعون.
فهنيئاً لمن أخلصت قلوبهم لله تعالى وخصهم الله بهذه الأعمال فهي خاصة بالمؤمنون ولا يستطيع أن يفعلها المنافقون ولا المراؤون.

وقد رغّب فيها الإسلام لتكون للمؤمن فرجاً عند الشدائد والكُربات، فكيف لا تكون كذلك وهي طوقاً للنجاة من النيران، وغرساً طيباً في فسيح الجنان. قال تعالى: (إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) سورة البقرة آية: 271

-وقد جاءت الشريعة الإسلامية بالحث على صدقة السر لما فيها من الأجر والثواب العظيم  فقال صلى الله عليه وسلم: (وصدقة السر تطفئ غضب الرب) أخرجه الطبراني في الكبير بسند حسن.

-كما يعتبر الصيام بالسر من أجل العبادات  فقال صلى الله عليه وسلم  [كلُّ عمَلِ ابنِ آدمَ له قال الله تعالى إلا الصيامَ فهو لِي وأنا أجزِي بِهِ] متفق عليه
فهذا إن كان الصيام مكشوفا للناس فكيف إن كان بالسر ولا يعلم أحد عنه إلا الله تعالى.

-والعبد الذي يحرص على هذه العبادة سيرى أهمية  هذ العمل الصالح الخفي في تفريج همومه  وقبول دعائه ولنا وقفة  في حديث أهل الغار الذين سَدّت عليهم الصخرة مخرجه وتقطعت بهم الأسباب، فلم ينفعهم إلا التوسل إلى الله بخبايا أعمال صالحة لهم أحيطت بسياج من الإخلاص والعبودية لله عز وجل، فكانت سبباً لتفريج كُرَبهم وخروجهم من الغار.

-وهناك العديد من أعمال السر والخفاء التي تدخل العبد أعلى مراتب الجنان بإذن الله تعالى:
 
كقضاء حوائج المساكين والأرامل والضعفاء  والأيتام أو قضاء الديون عن الغارمين والعاجزين

ولنا عبرة ودروس في ذلك الرجل  الذي كان يبكي عشرين سنة خشيةً لله وامرأتُه معه لا تعلم!

وداود بن أبي هند  كان يصوم أربعين سنة ولم يعلم به أهله، فكان يحمل الطعام صباحاً إلى دكانه فيتصدق به في الطريق، ويرجع عشياً إلى أهله فيُفطر معهم؛ يظن أهل السوق أنه قد أكل في البيت، ويظن أهله أنه أكل في السوق.

  • مستخدم مجهول
قام 1 شخص بتأييد الإجابة
profile/بيان-محمد-الحبازي
بيان محمد الحبازي
بكالوريوس في المصارف الاسلامية (٢٠١٦-٢٠٢٠)
.
١٥ أبريل ٢٠٢١
قبل ٤ سنوات
بالتأكيد، يعتبر الذكر خبيئة صالحة للمؤمن، إذا اقترن معه حضور القلب والنيّة، لان الذكر نوع من أنواع العبادات، بل هو أيسر أنواع العبادات إطلاقا، حيث يكون ذكر الله تعالى في كل وقت وحين، لا يتطلب جهدًا ولا تكليفًا، والذكر لا يتطلب من المسلم سوى استشعار نعم الله تعالى عليه ثم استحضار الشكر على ذلك، باقترانه بذكر صالح، من تسبيح، أو تحميد، أو تكبير، أو استغفار، أو صلاة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، على أن يكون ذلك بنيّة خالصة سليمة وقلب خاشع، حاضر، ومدرك لما ينطق به اللسان من ذكر وشكر.

قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) سورة الأحزاب (41-42).

وقال تعالى: (إنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ﴾ آل عمران، (190-191).

وعن الزُّبيرِ بنِ العوَّامِ رضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من استطاعَ منكم أنْ يكونَ له خَبيئةٌ من عملٍ صالحٍ، فليفعَلْ". (البوصيري، إتحاف الخيرة المهرة، 7/444).

والخبيئة الصالحة طاعة السر، وأنس العبد في وحدته وخلوته، وزاده في الدنيا والآخرة، كما أنها دليل صدق المؤمن وعلامة إيمانه، وخشوعه، لا يدركها إلّا صادق مخلص، ولا يقوى عليها منافق، فهي لا تخرج إلّا من كل قلب مؤمن، محسن، متّقي الله تعالى في السر والعلن.
ومن هنا جاء الذكر، ليُعرف به صدق إيمان العبد، فذكر الله لا يكون نابعًا إلّا من قلب تقيّ، راجيًا عفو الله تعالى في الدنيا والآخرة، وراجيًا رضاه والفوز بجنتّه، مستغفرًا لله تعالى بالسر والعلن، يخشى نيل سخط الله بذنوبه ومعاصيه، ويرجو بذلك أن يظفر بالجنة وبرؤية وجهه تعالى.

ويأتي ذكر الله تعالى على عدّة أنواع، منها:

  • أن يكون الذكر سرّا 
قال الله تعالى: (وَٱذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ ٱلْجَهْرِ مِنَ ٱلْقَوْلِ) سورة الأعراف، الآية 205

وهنا لا ينبغي للمسلم إلا حضور القلب والنيّة، فيكون ذكر الله تعالى سرّا في النفس، إمّا بالتفكر في خلق الله تعالى وقدرته، والتفكر في هذا الكون وإبداعه -سبحانه وتعالى- في إنشاء هذا الكون، أو باستحضار النعم وشكر الله تعالى بتسبيح، أو تحميد، أو تكبير، أو صلاة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو نحو ذلك.

  • أو يكون ذكر الله تعالى جهرًا بين الناس
وفي فضل ذلك نستذكر ما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- عن اللهِ عزَّ وجلَّ أنَّه قال: "يقولُ اللَّهُ تَعالَى: أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي، وأنا معهُ إذا ذَكَرَنِي، فإنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي، وإنْ ذَكَرَنِي في مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ في مَلَإٍ خَيْرٍ منهمْ" (ابن تيمية، مجموع الفتاوى، 4/390)

وهنا ينبغي للمسلم أن يستشعر عظمة الله تعالى والنعم التي تحيط به في النفس أولًا، ثم أداء الحمد والشكر وذكر الله تعالى أمام الملأ من الناس، شريطة أن تكون نيّته خالصة، وقلبه حاضر لذكر الله، وألّا يكون متعلقًا برياء ونفاق ومراء، أو غيرها من الصفات التي تُذهب أجر المسلم.

فضلا عن ذلك فإن ذكر الله تعالى يحقق العديد من الفضائل للمسلم، منها: نيل رضا الله سبحانه وتعالى، طرد الشيطان والتغلب على الشهوات، انشراح القلب وإزالة الهم والغم عنه، اطمئان المسلم وتسليم أمره لله تعالى، استشعار وجود الله تعالى في كل أمور حياتنا، الذكر يرفع صاحبه درجات عظيمة عند الله تعالى باستحقاقه الجنة في الآخرة وهي أعظم المطالب وأجلّ المقاصد.
والله أعلم.