بالتأكيد، يعتبر الذكر خبيئة صالحة للمؤمن، إذا اقترن معه حضور القلب والنيّة، لان الذكر نوع من أنواع العبادات، بل هو أيسر أنواع العبادات إطلاقا، حيث يكون ذكر الله تعالى في كل وقت وحين، لا يتطلب جهدًا ولا تكليفًا، والذكر لا يتطلب من المسلم سوى استشعار نعم الله تعالى عليه ثم استحضار الشكر على ذلك، باقترانه بذكر صالح، من تسبيح، أو تحميد، أو تكبير، أو استغفار، أو صلاة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، على أن يكون ذلك بنيّة خالصة سليمة وقلب خاشع، حاضر، ومدرك لما ينطق به اللسان من ذكر وشكر.
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) سورة الأحزاب (41-42).
وقال تعالى: (إنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ﴾ آل عمران، (190-191).
وعن الزُّبيرِ بنِ العوَّامِ رضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من استطاعَ منكم أنْ يكونَ له خَبيئةٌ من عملٍ صالحٍ، فليفعَلْ". (البوصيري، إتحاف الخيرة المهرة، 7/444).
والخبيئة الصالحة طاعة السر، وأنس العبد في وحدته وخلوته، وزاده في الدنيا والآخرة، كما أنها دليل صدق المؤمن وعلامة إيمانه، وخشوعه، لا يدركها إلّا صادق مخلص، ولا يقوى عليها منافق، فهي لا تخرج إلّا من كل قلب مؤمن، محسن، متّقي الله تعالى في السر والعلن.
ومن هنا جاء الذكر، ليُعرف به صدق إيمان العبد، فذكر الله لا يكون نابعًا إلّا من قلب تقيّ، راجيًا عفو الله تعالى في الدنيا والآخرة، وراجيًا رضاه والفوز بجنتّه، مستغفرًا لله تعالى بالسر والعلن، يخشى نيل سخط الله بذنوبه ومعاصيه، ويرجو بذلك أن يظفر بالجنة وبرؤية وجهه تعالى.
ويأتي ذكر الله تعالى على عدّة أنواع، منها:
قال الله تعالى: (وَٱذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ ٱلْجَهْرِ مِنَ ٱلْقَوْلِ) سورة الأعراف، الآية 205
وهنا لا ينبغي للمسلم إلا حضور القلب والنيّة، فيكون ذكر الله تعالى سرّا في النفس، إمّا بالتفكر في خلق الله تعالى وقدرته، والتفكر في هذا الكون وإبداعه -سبحانه وتعالى- في إنشاء هذا الكون، أو باستحضار النعم وشكر الله تعالى بتسبيح، أو تحميد، أو تكبير، أو صلاة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو نحو ذلك.
- أو يكون ذكر الله تعالى جهرًا بين الناس
وفي فضل ذلك نستذكر ما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- عن اللهِ عزَّ وجلَّ أنَّه قال: "يقولُ اللَّهُ تَعالَى: أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي، وأنا معهُ إذا ذَكَرَنِي، فإنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي، وإنْ ذَكَرَنِي في مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ في مَلَإٍ خَيْرٍ منهمْ" (ابن تيمية، مجموع الفتاوى، 4/390)
وهنا ينبغي للمسلم أن يستشعر عظمة الله تعالى والنعم التي تحيط به في النفس أولًا، ثم أداء الحمد والشكر وذكر الله تعالى أمام الملأ من الناس، شريطة أن تكون نيّته خالصة، وقلبه حاضر لذكر الله، وألّا يكون متعلقًا برياء ونفاق ومراء، أو غيرها من الصفات التي تُذهب أجر المسلم.
فضلا عن ذلك فإن ذكر الله تعالى يحقق العديد من الفضائل للمسلم، منها: نيل رضا الله سبحانه وتعالى، طرد الشيطان والتغلب على الشهوات، انشراح القلب وإزالة الهم والغم عنه، اطمئان المسلم وتسليم أمره لله تعالى، استشعار وجود الله تعالى في كل أمور حياتنا، الذكر يرفع صاحبه درجات عظيمة عند الله تعالى باستحقاقه الجنة في الآخرة وهي أعظم المطالب وأجلّ المقاصد.
والله أعلم.