هل سيقضي الذكاء الاصطناعي على وظائف البشر في المستقبل؟

1 إجابات
profile/قصي-خالد-أبوشامة
قصي خالد أبوشامة
ماجستير في تخطيط مدن (٢٠١٩-٢٠٢٠)
.
٢٥ يناير ٢٠٢١
قبل ٤ سنوات
 يبدو أن الإجابة الشائعة هنا هي: نعم ستقضي على الوظائف، لكن فقط الوظائف الموجودة في قاع السلسلة الغذائية، وسيخلق المزيد من الوظائف لتعويض الوظائف التي تقضي عليها على الأقل. 

أختلف مع هذا الرأي. أعتقد أن الذكاء الاصطناعي سيقضي على أغلبية الوظائف، ومع مرور الوقت، قد يغير الذكاء الاصطناعي من طبيعة الوظائف التي نعرفها. وأعتقد أن الناس راضون بعض الشيء عن الأثر الاقتصادي الذي يخلفه الذكاء الاصطناعي، لكن من المرجح أن يكونوا غير مستعدين للتغيرات التي يتعين علينا التكيف معها في المستقبل غير البعيد. 
 

أولًا، لنبدأ بمقارنة الآلية والأتمتة اللتين تركتا عمال المصانع دون عمل. في هذا الصدد، أوافق على أن الذكاء الاصطناعي اليوم يتشابه في العديد من التطبيقات، إذ يحل محل العمال الذين يتمتعون بمهارات أقل تخصصًا، وقد يحل محل موظفي مراكز الاتصال ومساعدي الأعمال المكتبية (بدرجة محدودة) و سائقي سيارات الأجرة وسائقي الشاحنات. لكن أود أن أجادل أن الذكاء الاصطناعي يختلف اختلافًا جوهريًا عن الآلية أو معظم التشبيهات الأخرى التي تُنسب له عادة عند الإجابة على هذا السؤال، وذلك لأن الذكاء الاصطناعي ينمو ومن غير المرجح أن يتوقف عن النمو. إنه ينمو بتسارع (في التطبيقات والصناعات)، في النطاق الجغرافي والاقتصادي وفي السلطة (القدرة على معالجة المهام شديدة التعقيد). التشبيه الأكثر ملاءمة لذلك هو الآلية في مصنع السيارات التي لم تصنع الأجزاء في يوم واحد فقط، بل تعلمت لاحقًا كيفية تجميعها ثم كيفية تصميم السيارات. 
 

وأعتقد أن هناك القليل من الأمور التي ستكون بعيدة عن متناول الذكاء الاصطناعي مستقبلًا. دعونا نترك مسألة تفرد الذكاء الاصطناعي وسيطرتها علينا مستقبلًا وحدها في الوقت الراهن. بدلًا من ذلك، أعتقد أن جهود التعلم العميقة في شركة جوجل وأماكن أخرى تجعل أنظمة الذكاء الاصطناعي سريعة التعلم. بوسع الذكاء الاصطناعي المتقدم الآن أن يتولى المهام شديدة التعقيد، بما في ذلك التشخيص الطبي والاتجار في سوق الأوراق المالية والتنبؤ بالطقس والنماذج السلوكية البشرية. في القريب العاجل، سيكون بمقدورها أن يحل محل المعلمين في بعض التخصصات ويشق طريقه في قطاع التعليم. بإمكان الذكاء الاصطناعي التعامل مع الأنظمة المعقدة في البرمجيات والرياضيات، ويبدو أنه محدود فقط في التطبيقات التي تتطلب تفاعلات مع العالم المادي (أجهزة الاستشعار) والناس. 


لذا دون تسليط الضوء على المستقبل البعيد، يمكننا أن نطرح هذا السؤال، ما هي الوظائف التي لن يقضي عليها الذكاء الاصطناعي؟ في الواقع، نجد أنه بالفعل يحل محل الوظائف التي تشتمل على العمالة اليدوية. يستبدل كذلك الوظائف التي تتطلب التحليل المنطقي، وإن كان ذلك بمعدل أبطأ. ما هي الصفات التي يمتلكها البشر والتي لا يمكن للذكاء الاصطناعي اكتسابها؟ ربما الإبداع  والإستجابات العاطفية، لذا فقد يواصل الباحثون في الأوساط الأكاديمية عملهم لفترة أطول، كذلك الفنانون (على الرغم من أن المحاكاة التجسيدية للذكاء الاصطناعي مثيرة للإعجاب بالفعل) والمستشارون وعلماء النفس والعاملون في مجال القضايا وصناع القرار كالمدراء التنفيذيون الذين لا يمكن التنبؤ بهم أو لا يكونون عرضة للخطأ. 

هذا يترك القليل من الوظائف الحالية دون مساس. يقول الكثيرون: نحن فقط بحاجة إلى تدريب الناس على شغل وظائف أعلى مستوى والتي استحدثها الذكاء الاصطناعي، على سبيل المثال المبرمجون والباحثون في مجال تعلم الآلة. إلا أن هذا ليس أمرًا سهلًا، فالنظام التعليمي يكافح من أجل تلبية المطالب التي خلقتها التكنولوجيا المتقدمة اليوم، ويُعزى هذا الفشل جزئيًا إلى الانقسام الاقتصادي الذي يعصف بالبلدان. إن التحدي الأبرز هنا يتمثل بتثقيف الجمهور حول سوق عمل يتناقص نطاق العمل فيه ويتزايد تعقيده على حد سواء، وهو شيء لم يسبق لنا مواجهته. 


وفي المحصلة، أظن أنه بإمكاننا إجابة هذا السؤال مستقبلًا، لكن إذا كان لزامًا علي أن أخمن، فسأقول أن الذكاء الاصطناعي سيحل محل العديد من الوظائف. وسيكون لذلك انعكاسات اقتصادية كبيرة لأن الشركات التي تسعى إلى التقليل من التكلفة سوف تعتمد الذكاء الاصطناعي على حساب ارتفاع البطالة. وسيتعين إجراء تغييرات جذرية في السياسات الاجتماعية من أجل تفادي وقوع كارثة اقتصادية واسعة النطاق، وزيادة كبيرة في الحد الأدنى للأجور وشيء من من الدخل العام (الرفاه العام). هذا هو نوع التغيير الذي يتطلب قيادة حكيمة، وهو شيء تفتقر له العديد من الدول.