كشخص يمتلك أحلام هائلة وكبيرة ومليئة بالتفاصيل، وسيكمل عقده الثاني بعد بضعة أسابيع، الجواب سيكون وبكل تأكيد لا. كنت سابقًا ألوم نفسي على فشلي -كما كنت أعتقد- على إنجاز أي طموح من طموحات حياتي العديدة بعد وصولي لمثل هذا العمر، وكنت دائمًا استذكر الشخصيات الملهمة التي حققت أكبر نجاحاتها في هذا العمر بينما أنا ما زلت أخطو الخطوة الأولى.
أدركت أن مقارنتي قصتي بقصة غيري أمر سخيف؛ فالظروف والحالة الاجتماعية والنفسية والمرشدين الذين نمر بهم جميعها أمور لا يشترك بها شخصين من الـ 7 مليار شخص على هذا الكوكب. فمن الظلم للنفس أن تتوقع منها أن تتبع خطى غيرها من الأشخاص الذين يختلفون عنها ولم يمروا بما مررت به سواء من مشاكل أو نضج.
لاحظت عند قراءتي للسيرة الذاتية للمجموعة من الأشخاص الذين يعملون بالمجال الذي أود العمل به يومًا، وامتلك طموحات وظيفية ومهنية مشابهة لتلك التي قاموا بإنجازها؛ أن أصغر عمر بدأ أحدهم فيه بالبدء بتحقيق طموحاتهم من الناحية الوظيفية كان يتعدى عمر الأربعين، هذا يعني أن أول طموح قام صغيرهم بتحقيقه كان بعمر يساوي ضعف عمري -وأكثر حتى! -. فكان هذا أكبر إثبات ومهدئ بالنسبة لي لكي أقوم بأخذ الأمور ببساطة واستهلك الوقت الذي احتاجه حقًا للوصول لما أريد.
كان هذا بالنسبة للطموح الوظيفية، لكن ماذا بالنسبة لأهدافي الشخصية؟. يعود سبب عدم تحقيقي للطموح الشخصية في هذه الحياة هو اكتسابها طابعًا مجملًا وكبيرًا بدلًا من أهداف مخصصة تنتهي بعد مدة. وذلك يعني أن أهدافي المخصصة أصبحت جزءًا من أهدافي التي وضعتها لمدى الحياة؛ فتوقفت عن وضع أهداف مثل "خسارة بعض الكيلوغرامات" الذي نعتبره هدفًا مخصصًا، واستبدلته بخطة حياتية مستمرة لآخر يوم في حياتي، التي وهي "انتهاج نمط حياة صحية".
فخسارة الوزن الزائد غير الصحي مثلًا لا أعتبرها خط النهاية الذي أود الوصول إليه؛ اعتبرها أحد الخطوات التي سأقوم بأخذها في طريقي للحياة الصحية، وخط النهاية الذي جميعنا مهووسون به هو في هذه الحالة انتهاء الأجل؛ أي لا يوجد خط نهاية واضح لمثل هذه الأمور لكن يوجد خطوات جعلت رحلة الوصول إلى ذلك الخط أكثر سعادة وصحة، وستجعلنا أمام خالقنا يوم الحساب من الذين حفظوا أمانته.
يجب عليك تعلم التفريق بين الأهداف طويلة الأمد وقصيرة الأمد؛ فالأهداف قصيرة الأمد تمثل الأهداف القصيرة ذات موعد نهائي قريب -كبعد أسبوع أو شهر أو بضع سنوات من الآن- نقوم بأخذها لتحقيق هدف أمده طويل. فعلى سبيل المثال الثراء يعتبر من الأهداف طويلة الأمد الذي ستحتاج غالبًا للعديد من السنوات لتحقيقه، بينما قيامك بفتح مشروعك الخاص أحد الأهداف قصيرة الأمد. لكن حتى هذا الهدف قصير الأمد يعتبر هدف طويل الأمد بالمقارنة ببعض الخطوات التي ستحتاج لأخذها للوصول إليه؛ كأن تتعلم كيفية إدارة مشروعك واكتسابك للخبرة الكافية لتقوم بذلك.
فالهدف الكبير ذو شجون متعددة؛ وستجد لكل هدف من أهدافك أهداف صغيرة أخرى يجب عليك القيام بها. لذلك تذكر دائمًا هدفك الكبير لكن لا تضع كل تركيزك عليه، ركز على تلك الخطوات الصغيرة التي ستجعله في يوم ما ممكنًا، لا تقع في وهم "خط النهاية"؛ فحتى في المثال السابق لم يكن الثراء هو الهدف النهائي ولا خط النهاية، فبعد تحصيلك للمال الكثير ستعمل إلى نهاية عمرك على الحفاظ عليه، وعلى صرفه بمسؤولية وفي أوجه الحق.
استمتع في حياتك بالمكان الذي أنت فيه الآن؛ لا تعلق نجاحك وسعادتك بالأهداف، ولا تجعلها مقياسًا لقيمتك، فجميع من وصلوا للهدف الأكبر طويل الأمد أجزموا أن السعادة كانت في الطريق لا في الوصول.