على الأغلب أنك قد شاهدت الفيلم أو مجموعة الأفلام الخاصة بقراصنة الكاريبي، فإحدى شخصيات الفيلم عبارة عن القرصان الشرير، صاحب الشخصية المميزة، ومن أشهر مالكي البحار، وكان يرتعب منه المماليك عند سماع اسمه، إلا أن القصة الحقيقية تم تشويهها في الأفلام.
عرف عند الأوروبيين بالاسم بارباروسا، أي صاحب اللحية الشقراء، وقد كان أحد أكبر قادة الأساطيل البحرية العثمانية، والذي كان حاكما للبحار، وهو من تولى منصب حاكم إيالة في الجزائر، وبالطبع الإخوة الجزائريين يعرفونها، واسمه الكامل هو خير الدين بارباروس، وأبوه بحار اسمه يعقوب، وقد كان ليعقوب هذا أربعة أبناء، هم خضر خير الدين واسحق وإلياس وعروج، وأصول هذه العائلة تعود إلى ألبانيا، وبعض الروايات تقول إن أصولهم من تركيا.
ولد بارباروسا عام 1466 ميلادية، في جزيرة اسمها لسبوس التابعة لإسطنبول، واسمه الأصلي كان خضر بن يعقوب، ولقبه السلطان العثماني سليم الأول بـ
خير الدين باشا، وعرف عند الأوروبيين كما قلنا سابقا باسم بارباروسا أي ذا اللحية الشقراء، وبدأت قصته عندما حصل لقاء بين السلطان سليم الأول، و
قائد بحري اسمه عروج، والذي هو أخو خير الدين، وقام حينها السلطان سليم الأول بإطلاع عروج، على رسائل استغاثة آتية من اسبانيا، وبالتحديد، رسائل استغاثة من مسلمي الأندلس، الذين كانوا يعذبون في أقبية الكنائس الإسبانية، وقد أوكل إليه سليم الأول مهمة، والتي عرف عنها ب
المهمة المستحيلة، وطلب فيها السلطان من عروج إنقاذ المسلمين في الأندلس و
كانت الخطة على النحو التالي:
*أولا: الإبحار من أقصى الشرق في تركيا إلى أقصى الغرب في الأندلس
*ثانيا: محاربة الجيوش الأوروبية مجتمعة: الإسبانية والبرتغالية والإيطالية بالإضافة إلى سفن القديس يوحنا
*ثالثا: اختراق كل تلك الحصون والتمكن من الرسو الآمن في إحدى المدن في الأندلس
*رابعا: تدمير الحامية البحرية الإسبانية لتلك المدينة
*خامسا: شل قوة العدو الدفاعية
*سادسا: التحول إلى اليابسة
*سابعا: خوض حرب شوارع ضد القوات الإسبانية
*ثامنا: تحرير المدينة الأندلسية من جديد ورفع الراية العثمانية على قلاعها
*تاسعا: مباغتة الكنائس على نحو مفاجئ للحيلولة دون هروب القساوسة الكاثوليك الذين يعرفون الأقبية الموجود فيها المسلمين الذين كانوا يعذبون فيها لأنها كانت أماكن سرية
*عاشرا: البحث في جميع أبنية الكنائس المظلمة بشكل فوري قبل أن يتم تهريب المسلمين المعذبين وتحريرهم منها وعدم نقلهم بالشمس لتجنب إصابتهم بالعمى لأنه في تلك الأقبية لم يستطيعوا رؤية الشمس لسنين.
*الحادي عشرة: نقل الأسرى المسلمين إلى السفن مع تجنب تعرض جلودهم الهزيلة للتمزق أثناء حملهم.
*الثاني عشرة: إخلاء المدينة على وجه السرعة، على ألا تأخذ العملية منهم منذ الريو وحتى الإقلاع أكثر من ست ساعات وذلك لتجنب الاشتباك مع قوات الدعم الآتية إلى المدينة من المدن المجاورة
*الثالث عشرة: الإبحار تحت جنح الظلام والتمكن من إيقاف حركة العدو البحرية وشلها أثناء رحلة العودة، والأخذ بعين الاعتبار أن العودة لن تكون إلى تركيا، بل إلى الجزائر، وذلك لإسعاف الأسرى على جناح السرعة من جهة وخداع قوات العدو من جهة أخرى.
تذكرني هذه المهمة الصعبة بمهمات جيمس بوند، وتوم كروز في سلسلة أفلامه "المهمة المستحيلة" Mission Impossible، ورغم أنها تبدو مستحيلة، إلا أنها حدثت بالفعل، وتم توثيقها في كتب التاريخ، ولا تستغرب، فالناس في ذلك الوقت كانوا أصحاب قضية ومؤمنين ولم يكن لديهم ما يلهيهم عن بلوغ أهدافهم وصنع تاريخهم وأمجادهم.
نجحت تلك المهمة، والتي تعد إلى حد الآن واحدة من أغرب المهمات في التاريخ، فقد أنقذ عروج وإخوته آلاف المسلمين في الأندلس، وبعدها عرف هذا القائد الإسلامي على مستوى البحار كلها، لذا تم وضعه في قائمة مائة من عظماء أمة الإسلام الذين غيروا مجرى التاريخ.
وفي أحد الأيام أعلنت إسبانيا الحرب على فرنسا، فطلب فرانسوا الأول ملك فرنسا المساعدة من السلطان العثماني سليمان القانوني، ابن السلطان سليم الأول،
فقام السلطان بإرسال خير الدين، أخو عروج على رأس أسطول كبير تمركز في مارسيليا والتي تنازل عنها الفرنسيون للعثمانيين مدة خمس سنوات، ونجح خير الدين في هزيمة الإسبان، وفي الفترة التي تم فيها تسليم الميناء إلى الدولة العثمانية، تم إخلاؤه من جميع سكانه بأمر من الدولة الفرنسية، وتحول إلى مدينة عثمانية إسلامية، كما رفع عليها العلم العثماني.
بعدها قام خير الدين بعدة حملات بحرية كبيرة، كان من أشهرها انتصاره العظيم في معركة بروزة، والتي كانت في البحر الأبيض المتوسط، وقد كانت معركة هائلة في البحر، تداعت لها أوروبا استجابة لطلب البابا في روما، فتكون تحالف أوروبي من ستمائة سفينة تحمل نحو ستين ألف مقاتل، ويقودهم قائد هو أحد أعظم القادة البحارة في أوروبا واسمه أندريا دوريا، وفي المقابل، تألفت القوات العثمانية من مائة واثنتين وعشرين سفينة، تحمل حوالي اثنين وعشرين ألف جندي، والتقى الأسطولان، وفاجأ خير الدين خصمه قبل أن يستعد للقتال فباغتهم وتفرقت السفن من هول الصدمة، وهرب أندريا من ميدان المعركة، وهذه المعركة سجلت في التاريخ لأنها لم تستمر لأكثر من خمس ساعات، تمكن في نهايتها خير الدين من حسم المعركة لصالحه.
والآن لو سألت عن
قرصان له لحية شقراء وعين مغطاة بغطاء أسود لتغطيتها وله قدم خشبية، لاعتقد الناس أنك تتكلم عن قرصان سارق ومجرم وقاتل، كما تم تصويره في أفلام هوليوود والرسوم المتحركة، ولكن الحقيقة المزورة التي يريدون أن يرسلوها إلى الأجيال الصاعدة هي أن بارباروسا كان مجرد قرصان قاتل وسارق، وفعلا هذه الفكرة وصلت كما هي للكثير من الناس، وذلك الفيلم Pirates of the Caribbean "قراصنة الكاريبي" والذي تم تصوير بارباروسا فيه على أنه قرصان مخادع وكذاب، فأرادوا تشويه صورة وسمعة وتاريخ خير الدين بارباروسا، وصور فيه خير الدين بصورة وحشية ودموية ووصفه بالخسة والنذالة، والذي مثل هذا الدور في الفيلم هو هيكتور بارباروسا، والذي ظهر في الفيلم الأول من قراصنة الكاريبي جزء اللؤلؤة السوداء، باعتباره العامل المضاد الرئيسي في الفيلم، ثم عاد في الفيلم الثالث من قراصنة الكاريبي في نهاية العالم، باعتباره حليفا للشخصية الرئيسية جاك سبارو، وتم تقديمه في بداية الفيلم على أنه قبطان سفينة اللؤلؤة السوداء، وهو الربان المتمرد الواقع تحت لعنة الذهب المسحور.
المراجع:
كتاب مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ من تأليف الكاتب والباحث الفلسطيني جهاد التربانيمعلومات عن خير الدين بربروس
معلومات عن فيلم قراصنة الكاريبي