سؤالك يحتمل عدة احتمالات:
1. فإذا كنت تقصد أنه ضرورة معيشية، بحيث أن الإنسان لا يستطيع العيش بدون أرض، فهذا سنة كونية فلا بد أن كل واحد منا يولد على قطعة أرض وهذه الأرض هي بالنسبة له وطنه الذي يعيش عليه وينشأ فيه وله ذكرياته.
2. وإن كنت تقصد أنه ضرورة من جهة تعلق قلب الإنسان به ومحبته له، فهذه أيضاً فطرة فطر الله قلوب الناس عليها، فالأرض التي نشأ فيها الإنسان لها خصوصية في نفسك واحد منا ولا شك.
وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج من مكة مهاجراً قال: "أمَا والله لأخرج منك، وإني لأعلم أنك أحب بلاد الله إلىَّ، وأكرمه على الله، ولولا أن أهلك أخرجوني منكِ مَا خرجت" (رواه أبو يعلى وغيره).
وروت عائشة رضي الله عنها أنهم لما هاجروا المدينة واختلف عليهم الجو أصابتهم الحمى فكان بلالٌ إذا أقلع عنه الحُمَّى يرفع صوته، ويقول:
ألا ليتَ شِعرى هل اْبيتنَّ ليلةً * بوادٍ وحولى إِذْخَرٌ وجَليل
وهل أرِدَنْ يوما مياه مَجَنَّة * وهل يَبْدُوَنْ لىَ شامةٌ وطَفِيل
قالت عائشة: فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرتُه، فقال: "اللهمَّ حببْ إلينا المدينة كحبّنا مكةَ أو أشد، وصحّحْها، وبارك لنا في صاعها ومُدِّها، وانقل حمَّاها فاجعلها، بالجُحفة".
فمحبة الوطن والبقعة التي ولد عليها الإنسان ونشأ فيها فطرة فطر الله الناس عليها وهذا واضح من قوله تعالى لما ذكر الأمور التي يتعلق بها قلبه كان منها (ومساكن ترضونها) وهي وطن الإنسان.
3. ولكن الشريعة في المقابل ربطت بين أرض الإنسان وإقامة شرع الله فيه، فجعلت دفاع المسلم عنه ليس سببها مجرد كونه وطن أو أرض عاش عليها فحفنة التراب ليس لها قدسية، وإنما كان دفاع المسلم عن أرضه واجباً وذلك لضمان بقائه أرضاً إسلامية كما أمر الله تعالى.
لذلك أمر الله في المقابل المسلم بالهجرة من أرضه إذا لم يتمكن من ذلك وكانت الهجرة فيها نصرة للإسلام كما قال تعالى (يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون)، ولما ضاقت مكة على المسلمين أمرهم رسول الله بالهجرة إلى المدينة وكان تارك الهجرة آثماً.
والمسلم يعد أي أرض إسلامية أرضاً له وسكانها إخوانه فليست الحدود المصطنعة بشيء مقدس في الشريعة.
كما قال الشاعر:
فأينما ذكر اسم الله في بلد****عددت ذاك الحمى من صلب أوطاني
والوحي مدرستي الكبرى وغار حرا**** ميلاد فجري وتوحيدي وإيماني
والله أعلم
12 مشاهدة
