نبينا صلى الله عليه وسلم هو أول من يحشر ، فقد ورد عنه - صلّى الله عليه وسلّم - في الحديث الصحيح أنّه قال: " أنا سَيِّدُ ولَدِ آدَمَ يَومَ القِيامَةِ، وأَوَّلُ مَن يَنْشَقُّ عنْه القَبْرُ، وأَوَّلُ شافِعٍ وأَوَّلُ مُشَفَّعٍ " أيْ أنّه حين يأذن الله تعالى للبشر بالخروج من القبور يكون النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أوّل من تنشقّ عنه الأرض ويخرج من قبره ويُحشر.
وأما صفة الحشر وبعض مشاهده:
الحشر أحد مراحل يوم القيامة ويكون بعد البعث وقبل بدء الحساب، حيث فيه يُساق الناس جميعاً بعد خروجهم من قبورهم لرب العالمين إلى المحشر لتجزى كل نفس على ما عملت في الدنيا من ايمانٍ وكفر، وخير وسوء.
قال الله تعالى: " قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ " (سورة الواقعة، الآيتيْن: 49- 50 )
وقال الله تعالى: " وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا " (سورة الكهف، الآية: 47)
وقال تعالى: " يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا، وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا " ( سورة مريم، الآيتين: 85- 86 )
وقد بينت السنة النبوية بعض صور وحال الناس في المحشر ، بحسب ما قدموا من خير أو شر، وإيمان أو كفر، وطاعة أو معصية، ومن هذه الأحوال والصور التي تكون في الحشر:
1 - صورة وحال الشهداء، حيث يحشرون ودماؤهم تسيل عليهم كهيئتها يوم جرحت في الدنيا، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كُلُّ كَلِمٍ يَكْلَمُهُ المسلم في سبيل الله ( أيْ كلُّ جرح ) ثم تكون يوم القيامة كهيئتها إذا طُعنتْ، تَفَجَّرُ دماً، اللون لون الدم والعُرف عُرف المسك"
وذلك تشهيرٌ بمواقفهم وعلوّ مقامهم عند الله تعالى، لأن الجزاء من جنس العمل.
2 - صورة وحال المتكبرين، الذين كانوا في الدنيا يمشون بتبخترٍ وتعالٍ على الناس، ليس عندهم تواضعٌ لله أو لخلقه، هؤلاء أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صورة حشرهم فقال: " يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذَّرِّ في صور الرجال، يغشاهم الذل من كل مكان" ، والذَّرِّ هو صغار النمل، أيْ أنهم في أرض المحشر يدوسهم الجميع ويستصغرونهم ولا يأبهون بهم ويغشاهم الذل.
3 - صورة حشر الكافر، حيث ورد في الحديث الصحيح أن الكافر يُسحب ويُحشر على وجهه، كما في الصحيحين: " أن رجلاً قال: يا نبي الله، كيف يحشر الكافر على وجهه؟ قال: " أليس الذي أمشاه على الرجلين في الدنيا قادرٌ على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة" قال قتادة: بلى وعزة ربنا "
والحكمة في حشر الكافر على هذه الكيفية: معاقبته على عدم السجود لله في الدنيا، وإظهار هوانه.
4 - صورة وحال أهل الغَلول، أيْ من غَلَّ شيئاً في حياته الدنيا ولم يظهره، مثل من يأخذ من غنائم المعارك خلسةً قبل التقسيم، أو من يأخذ من الميراث وما شابه خلسةً قبل التوزيع والتقسيم، فهؤلاء يأتون يوم الحشر حاملين ما أخذوه على شكل أثقالٍ على ظهورهم، كالبعير والشاة وغيرها، وهذا مما يشهد عليهم بالخيانة والغلول أمام الخلق أجمعين.
" كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا غنم مغنماً بعث منادياً: ألا لا يَغُلُّنَّ رجلٌ مَخيطاً فما دونه، ألا لا يَغُلُّنَّ رجلٌ بعيراً فيأتي به على ظهره يوم القيامة له رغاء، ألا لا يَغُلُّنَّ رجلٌ فرساً فيأتي به على ظهره يوم القيامة له حَمْحَمَة "
5 - وفي عموم حال وصورة الناس يوم الحشر ورد عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله يَقُولُ: " يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ القِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً" قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله: النِّسَاءُ وَالرِّجَالُ جَمِيعاً، يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ! قَالَ: " يَا عَائِشَةُ الأَمْرُ أَشَدُّ مِنْ أَنْ يَنْظُرَ بَعْضُهُم إِلَى بَعْض" متفق عليه. أيْ أنَّ الناس يرجعون كهيئتهم يوم ولدوا.
وهناك هيئات وصور وأحوال كثيرة غير هذه وردت في السنة النبوية للناس يوم الحشر،
والخلاصة: أن من مات على عمل بعث عليه وحُشر على حالٍ تناسبه.
وبعد طول الحشر وانتظار الناس للحساب، يبلغ منهم التعب والخوف والكرب مبلغاً عظيماً لشدة الأهوال، فيتمنون أن يبدأ الحساب ويفصل بينهم، لذا يذهبون إلى الأنبياء يرجونهم أن يشفعوا لهم عند ربهم لبدء الحساب، فكل نبيٍّ لا يقبل أن يحمل هذه المسؤولية والأمانة والشرف إلا سيد الأنبياء والرسل محمد صلى الله عليه وسلم، الذي يقول : " أنا لها، أنا لها" وينطلق ساجداً تحت العرش يشفع للخلق كلهم ببدء الحساب.