المبالغة في مظاهر العزاء من البدع المعاصرة التي انتشرت وعمت بها البلوى خاصة في زمننا المعاصر ،حيث صار العزاء مكاناً للتباهي والتفاخر في مظاهره ، من حيث فخامة المكان وسعته ونوع الخيمة التي عقد فيها العزاء وعدد الحضور ، ثم ما يتبع ذلك من ولائم وذبائح وتكاليف ما أنزل الله بها من سلطان !
حتى صار يقال عزاء فلان احسن من عزاء فلان لأن الأول كان يولم في كل يوم للحضور ! بل صار يعاب على أهل الميت إذا لم يصنعوا وليمة للحضور ويرمون بالبخل ، حتى يضطر البعض إلى الاستدانة ليكفي نفسه وأهله شر ألسنة الناس !
فتحول العزاء من كونه تسلية لأهل الميت وجبراً لخاطرهم وإعانة لهم في مصابهم وقياماً بحقهم ،وكفايتهم مؤونتهم في أول مصيبتهم ، إلى ثقل على أهل الميت وكلفة عليهم فصاروا هم المطالبين بكافية الحاضرين مؤونة بطونهم .
وتحول العزاء من مكان للعطة والاعتبار بالموت وتفكر بمصير الإنسان ومآله إلى مكان للأكل والشرب والسمر وقضاء الوقت والحديث والتدخين ،والله المستعان !
وهذا كله مخالف لهدي الشريعة ومقصدها ، فالسلف لم يكونوا يجلسوا للعزاء أصلاً وإنما كانت التعزية تتم في المسجد والمقبرة أو السوق أو البيت بلا تكلف ،وكان أهل الميت يكفون مؤونة طعامهم في أول مصابهم كما قال النبي عليه السلام "اصنعوا لآل جعفر طعاماً فقد أتاهم من يشغلهم " يعني لما جاء نعي جعفر رضي الله عنه .
وروي في الحديث الموقوف - وهو متكلم في سنده - " كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام بعده من النياحة " .
وإذا كان الله تعالى نهى عن الإسراف والتبذير عموماً فقال "وكلوا واشربوا ولا تسرفوا " وقال " ولا تبذر تبذيرا * إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين" ، فأن التبذير والإسراف في العزاء أشد نهياً وحرمة لمخالفته لمقصود الحال ومقتضى المقام .
ويشتد التحريم أكثر وأكثر إذا كان هذا الإسراف وهذه المظاهر الكذابة تدفع تكلفتها من مال الميت وميراثه مع وجود من لم يرض بذلك أو وجود ورثة قصر لم يبلغوا سن الرشد ، فمال الميت من حق ورثته ولا يجوز لأحد التصرف فيه بغير إذن أصحابه .
والله أعلم