علم الجفر هو رجم بالغيب، وادعاء بمعرفة ما يكون في المستقبل، ويزعم البعض أن فيه أسرارًا وعلومًا خص بها النبي- صلى الله عليه وسلم- أهل البيت. وهذا الكلام باطل شرعًا وعقلاً؛ فإن علم الغيب مما استأثر الله بعلمه، ومن أدعى معرفة ذلك، أو نسبه لأحد من البشر، فهو كافر بالله عز وجل، مكذب بالقرآن العظيم.
كتاب "الجفر" كتاب زور وبهتان، وشعوذة وادعاء علم الغيب، ذُكرت فيه أمور غيبية مستقبلية، تنسبه بعض الفرق الضالة تارة لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، وتارة لجعفر بن محمد الصادق رحمه الله كذبا وبهتانا، ويزعمون أن فيه أسرارا وعلوما خصهما بها النبي- صلى الله عليه وسلم-.
"قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى: " جاء في الصحيح أنه قيل لعلي رضي الله عنه هل ترك عندكم رسول الله شيئا وفي لفظ هل عهد إليكم رسول الله شيئا لم يعهده إلى الناس فقال لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلا فهما يؤتيه الله عبدا في كتابه، وما في هذه الصحيفة وفيها العقل وفكاك الأسير وأن لا يقتل مسلم بكافر."
وبهذا الحديث ونحوه من الأحاديث الصحيحة استدل العلماء على أن كل ما يذكر عن علي وأهل البيت من أنهم اختصوا بعلم خصهم به النبي دون غيرهم هو كذب عليهم.
قال تعالى: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} [سورة الأنعام الآية] 59، وقال الله تعالى: {قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} [سورة النمل الآية 65]، وقال تعالى: {إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلّهِ فَانْتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ} [سورة يونس الآية 20]، وقال تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً} [سورة الجن الآية، وقال تعالى على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاء اللهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [سورة الأعراف الآية 188]، والآيات بهذا المعنى كثيرة جدًا.
بعد أن استولى النصارى على سواحل الشام ومن المعلوم بالتواتر أن استيلائهم على سواحل الشام كان بعد المائة الثالثة وجعفر رضي الله عنه توفي سنة ثمان وأربعين ومائة قبل وضع هذه الرسائل بنحو مائتي سنة فهذا وأمثاله يبين أن نقل مثل هذه التحريفات التي قد سماها تأويلا وتعبيرا عن الصحابة وأهل البيت والمشايخ لا يزيدها عند أهل العلم والإيمان إلا علما بكذب منتحليها وعلما بجهلهم وضلالهم فلا يظن أن مجرد النقل والرواية ينفق الباطل عند أهل العلم والإيمان كما قد ينفق عليه وعلى أمثاله من النقول الباطلة ما لا يعلمه إلا الله لقلة علمهم بالحديث والآثار وأحوال السلف وعلومهم.
كما ذكر الإمام الذهبي "تاريخ الإسلام". إذا تقرر هذا؛ فما يسمى بعلم الجفر هو من الأكاذيب الصريحة المفتراة باتفاق جميع أهل المعرفة، وكل ما ذكر فيه باطل مخالفة لدين الإسلام.
هذا النوع من العلوم وغيره من التنجيم والشعوذة هو علم لا خير فيه، ولا يجوز للمسلم أن يشتغل به أو يضيع وقته فيه ويكفي في الرد على أصحابها أنها ليست علوما منضبطة ولا تحت قاعدة ثابتة، ولا يشتغل فيها أو يهتم بها إلا من قل اهتمامه واعتناؤه بكتاب الله تعالى وبسنة رسوله- صلى الله عليه وسلم- وبما كان عليه السلف الصالح من هذه الأمة وأن المؤمن يجب أن يشغل نفسه في تعلم أمور دينه والعلوم الدنيوية النافعة.