ما صحة قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "أشد الناس عذابًا يوم القيامة المصورون"، وما المقصود به؟

1 إجابات
profile/دمحمد-الطويل-1
د.محمد الطويل
دكتوراة في الفقه وأصوله (٢٠١٠-٢٠١٣)
.
١٩ يناير ٢٠٢١
قبل ٤ سنوات
الحديث صحيح متفق عليه عن ابن مسعود رضي الله عنه   قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : (إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا عِنْدَ الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ المصُوِّرُونَ) رواه البخاري ومسلم .


أما المقصود بالمصورين الذين هم أشد الناس عذاباً يوم القيامة ، فقال العلماء أنهما صنفان:

الأول :من صور التماثيل لتعبد من دون الله ، وهي صناعة الأصنام ، ولا شك أن فاعل ذلك كافر ، وكان من أشد الناس عذاباً لما فيه من صنع آلهة تعبد من دون الله .

الثاني : من صور التماثيل أو الصور مضاهاة لخلق الله وزعماً منه أنه يماثل صنعة الله وخلقه سبحانه جل في علاه ، وهذا أيضا كفر بزعمه أنه يضاهي صنعة الله وخلقته .

روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال "
 قالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: ومَن أظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي، فَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً أوْ لِيَخْلُقُوا حَبَّةً أوْ شَعِيرَةً" .

قال بدر الدين العيني رحمه الله في شرح الحديث "
 فإن صوَّرها لتُعبد أو لمضاهاة خلق الله تعالى : فهو كافر قبيح الكفر ، فلذلك زيد في عذابه"

فهذا ما حمل عليه تأويل الحديث في بيان سبب الزيادة في العذاب ، وبعض العلماء حمل التشديد وزيادة العذاب على أنه من أشد الناس عذابا لأنه روي في بعض الروايات " إن من أشد الناس عذابا ".

وهذا لا يعني أن صنع التماثيل لذوات الأرواح إذا كان لغير عبادة الأصنام أو بغير نية مضاهاة خلق الله أنه مباح ، بل هو معصية محرمة وكبيرة من الكبائر ، وكذلك أيضا التصوير اليدوي لذوات الأرواح متى كانت الصورة كاملة غير ناقصة ما لا يعيش إلا به فهي محرمة .

روى البخاري رحمه الله في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت : "قَدِمَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن سَفَرٍ، وقدْ سَتَرْتُ بقِرَامٍ لي علَى سَهْوَةٍ لي فِيهَا تَمَاثِيلُ، فَلَمَّا رَآهُ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هَتَكَهُ وقالَ: أشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَومَ القِيَامَةِ الَّذِينَ يُضَاهُونَ بخَلْقِ اللَّهِ قالَتْ: فَجَعَلْنَاهُ وِسَادَةً أوْ وِسَادَتَيْنِ".

فهذه عائشة كان في قرامها -يعني سترة في بيتها- صور ذوات أرواح وهي لم تقصد قط عبادتها ولا مضاهاة خلق الله في اتخاذها ولا يظن هذا في صانعها لما صنعها ، ومع ذلك نهى النبي علن تعليقها وإكرامها ، فاتخاذها وسادة يعني أنها تمتهن .

والمجسمات أو التماثيل محرمة بالإجماع ،  والرسم اليدوي لذوات الأرواح محرمة عند الجمهور.

روى الإمام مسلم في صحيحه " عن سعيد بن أبي الحسن قال: جاء رجل إلى ابن عباس فقال: إني رجل أصور هذه الصور، فأفتني فيها، فقال له: ادن مني، فدنا منه، ثم قال: ادن مني، فدنا منه حتى وضع يده على رأسه، قال: أنبئك بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كل مصور في النار، يجعل له بكل صورة صورها نفساً، فتعذبه في جنهم". وفي رواية البخاري أنه قال له: "ويحك، إن أبيت إلا أن تصنع، فعليك بهذا الشجر، كل شيء ليس فيه روح ".

والإسلام جاء بسد الذريعة نحو الشرك ، والتساهل في البدايات قد يجر إلى النهايات غير محمودة العاقبة ، وقوم نوح لما صوروا التماثيل في أول أمرهم ما صوروها بنية العبادة وإنما لتذكرهم بالصالحين الذين ماتوا فإذا رأوا صورهم تنشطوا للعبادة ثم بعد جيلين صارت هذه التماثيل آلهة تعبد من دون الله ، فلم يتمكن نوح عليه السلام بعد 950 سنة من الدعوة من إرجاعهم عن هذا الشرك إلا قليلاً منهم !

ولمسائل الرسم والتصوير وصور ذوات الأرواح تفاصيل وتفريعات مختلف فيها وبعض القضايا المعاصرة ليس هذا محل بسطها .

والله أعلم

  • مستخدم مجهول
قام 1 شخص بتأييد الإجابة