الحكم: هو آثم بهذا الهجر وعقابه عند الله تعالى، ولكن هذه المسألة فيها بعض التفصيل:
أولاً: فإذا كانت الزوجة تريد الطلاق أو العدل ولم يفعل، فهو يأثم على هذا الهجر.
ثانياً: أما إذا ترك الزوج الخيار للزوجة بالطلاق أو الهجر، واختارت الزوجة الهجر فلا حرج عليه في هذه الحالة.
- والدليل على ذلك: أن أم المؤمنين سودة بنت زمعة رضي الله عنها قد بقيت مع النبي صلى الله عليه وسلم مدة طويلة وهي في عصمته ولم يكن يقسم لها؛ لأنها رضيت بذلك، وجعلت يومها لـعائشة رضي الله عنها.
ثالثاً: أما إذا كان قد هجرها وتركها ولم يطلقها وهي تطلب الطلاق؛ فهذا لا يجوز له ويأثم لذلك، وإن كان عندها أولاد فعليه النفقة عليهم.
- وبالنسبة لمدة الهجر فقد اختلف فيها الفقهاء على قولين:
القول الأول: مذهب الحنفية والشافعية والحنابلة: قالوا للزوج حق في أن يهجر زوجته ما شاء من الوقت طال أم قصر.
القول الثاني: وهو مذهب المالكية: قالوا الأولى بالرجل أن يهجر زوجته مدة شهر واحد ولا يتجاوز به أربعة أشهر.
ودليلهم: ما روي عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت وهي تعظ خالد بن سعيد المخزومي وقد بلغها أنه هجر امرأته ليالي: حيث قالت فإنك سمعت ما جعل الله للمولى من الأجل فقد قال تعالى (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، والإيلاء صورة من صور الهجر وهو محدد بأربعة أشهر والزيادة فيه إضرار بالمرأة وتعسف في حقها.
- وهذا هو الرأي الراجح في هذه المسألة.
- ومما لا شك فيه أن الهجر صعب على الزوج والزوجة، فالزوجة قد تشعر أنها أصبحت غير مرغوبة من قبل زوجها، وهذا الشعور يجعلها تراجع نفسها - خاصة إذا كان عليها الحق فعلاً.
- فطبيعة الزوجة إذا شعرت بالإهمال فإنه يؤثر على نفسيتها بشكل كبير، لأنها تتأثر بالعاطفة أكثر من الرجل، بل هي بحاجة إلى كلام الرجل الطيب وحنانه وشوقه لها في الفراش، والزوجة تحب أن تكون دائما هي المطلوبة! فإذا تم هجرها ستشعر أنها غير مطلوبة وغير مرغوب بها من زوجها، وربما بدأ زوجها يفكر في غيرها!
- أما شعور الزوج في الهجر فهو أيضاً صعب عليه، فقد يراجع نفسه كذلك في عدم إثارة مشاكل بينه وبين زوجها.
- والإسلام أقر وسيلة الهجر بين الزوجين ليس لذات الهجر والبعد العاطفي والحميمي بين الزوجين، ولكنه كنوع من أنواع العلاج الذي يتدرج به الزوج، مصداقاً لقوله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) سورة النساء (34)
-وعليه: فالإسلام شرع للزوج أن يهجر زوجته ليس من أجل الهجر لذاته، إنما هو طريقة ووسيلة من الوسائل التي يحق للزوج أن يلجأ إليها في حالة نشوز الزوجة، ولكن لا بد من ملاحظات حول الهجر هي:
1- الهجر لا يكون علاجاً ابتدائياً، ولكن يلجأ إليه الزوج بعد العلاج الأول وهو الوعظ.
2- قد يكون الهجر في الكلام، فلا يكلمها مدة ثلاثة أيام إذا كان سبب الهجر تقصيراً في حقه، أما إن كان سبب التقصير هو حق الله تعالى (كتقصيرها في الصلاة) فيكون الهجر أكثر من ثلاثة أيام..
3- الهجر في الفراش: يعني في نفس الفراش، لا أن يهجرها في غرفة أخرى - بحيث ينام في غرفة وهي في غرفة - إنما يكونون في نفس الفراش ولكن لا يقربها، وبالنسبة للمدة في هذا الأمر غير محددة.
4- تحقيق المصلحة من الهجر: أي ثمرة الهجر، فإذا أدى الهجر إلى تصحيح خطأ الزوجة ونشوزها، فالحمد لله، وعندها ينتهي الهجر.
5- لا يحق للزوج أن يلجأ للهجر لأي سبب فهذا يعتبر ظلماً للزوجة وتعدي على حق من حقوقها الشرعية.