إن الجهل الذي يعذر به صاحبه هو الجهل بالحكم، وليس الجهل بالعقوبة، فمن ترك واجباً وهو لا يعلم أنه واجب، أو فعل محرماً وهو لا يعلم أنه محرم فهذا هو الجاهل الذي يعذر بجهله.
أما من علم أن هذا الفعل محرم ففعله وهو يجهل العقوبة المترتبة عليه، فهذا لا يعتبر عذراً، لأن صاحبه أقدم على المعصية وانتهك الحرمة وهو يعلم. من سرق وهو لا يدري أن السرقة حرام، فلا شيء عليه، ويعذر بجهله.
أما من علم أن السرقة حرام ولكنه جهل أن السارق عليه الحد فهذا لا يعذر، ويجب إقامة حد السارق عليه، إذا توفرت شروط إقامته.
وكذلك من ترك الصلاة وهو يجهل أنها فرض، فهذا يعذر بجهله ولا يكفر، أما من تركها وهو يعلم أن تركها حرام ولكن لا يعلم أن تركها كفر فهذا لا يعذر.
- فإذا كان جاهلاً لا يؤاخذ إذا وقع في الذنب لجهله ولكنه يؤاخذ ويأثم بتقصيره في طلب العلم الواجب.
- وقد قال أهل العلم: بأنه لا يجوز لأحد أن يقدم على فعل شيء حتى يعلم حكم الله فيه، - كما جاء في الموسوعة الفقهية: الأصل بالنسبة للجاهل: أنه لا يجوز له أن يقدم على فعل حتى يعلم حكم الله فيه، فمن باع وجب عليه أن يتعلم ما شرعه الله في البيع، ومن آجر وجب عليه أن يتعلم ما شرعه الله في الإجارة، ومن صلى وجب عليه أن يتعلم حكم الله في هذه الصلاة، وهكذا في كل ما يريد الإقدام عليه، لقوله تعالى: وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ. فلا يجوز الشروع في شيء حتى يعلم حكمه، فيكون طلب العلم واجباً في كل مسألة، وترك التعلم معصية يؤاخذ بها.
- وقال الإمام العز بن عبد السلام رحمه الله تعالى فيمن فعل مختلفاً في تحريمه من غير أن يقلد أحداً، قال: "هو آثم من جهة أن كل أحد لا يجوز له أن يقدم على فعل حتى يعلم حكم الله فيه، وهذا أقدم غير عالم فهو آثم بترك التعلم، وأما تأثيمه بالفعل نفسه فإن كان مما علم في الشرع قبحه أثمناه، وإلا فلا"
- والأعمال المحبطة للعمل والتي يجب الحذر منها كثيرة:
أولاً: كل من يبغض تحكيم شرع الله تعالى في حياة الناس فهذا يحبط عمله، قال الله تعالى: (لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ) سورة الزخرف: 78.
ثانياً: الكفر والشرك المخرجان من الملة، قال الله سبحانه وتعالى: "وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ" سورة المائدة: 5.
ثالثاً: ترك صلاة العصر محبطاً للعمل، ففي الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله". صحيح البخاري.
رابعاً: قال الإمام ابن القيم رحمه الله في الوابل الصيب: ومحبطات الأعمال ومفسداتها أكثر من أن تحصر، وليس الشأن في العمل، إنما الشأن في حفظ العمل مما يفسده ويحبطه، فالرياء وإن دق محبط للعمل، وهو أبواب كثيرة لا تحصر، وكون العمل غير مقيد باتباع السنة أيضا موجب لكونه باطلا، والمن به على الله تعالى بقلبه مفسد له، وكذلك المن بالصدقة والمعروف والبر والإحسان والصلة مفسد لها كما قال سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى. وأكثر الناس ما عندهم خبر من السيئات التي تحبط الحسنات، وقد قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ. فحذر المؤمنين من حبوط أعمالهم بالجهر لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما يجهر بعضهم لبعض، وليس هذا بردة بل معصية تحبط العمل وصاحبها لا يشعر بها.