هي أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنه وعنها، أفقه النساء وأعلمهن، تزوج بها النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاة زوجته خديجة رضي الله عنها، وكانت ابنة تسع سنوات، روت عن النبي صلى الله عليه وسلم الكثير، وكانت من أكثر الناس محبة عنده، عن عمرِو بن العاص - رضي الله عنه - قال: (بعَثَني رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - على جيشِ ذاتِ السلاسل، قال: فأتيتُه قال: قلتُ: يا رسولَ الله، أيُّ الناس أحبُّ إليك؟ قال: (عائشة)، قال: قلت: فمِن الرِّجال؟ قال: (أبوها إذًا)، قال: قلت: ثُمَّ مَن؟ قال: (عمر)، قال: فعدَّ رِجالاً)؛ أخرجه الشيخان.
-رآها النبي صلى الله عليه وسلم في المنام قبل أن يتزوجها، عن عائشةَ رضي الله عنها قالتْ: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: (أُريتكِ في المنام ثلاثَ ليالٍ، جاءَني بكِ المَلَك في سَرَقةٍ (قطعة) مِن حريرٍ، فيقول: هذه امرأتُك، فاَكْشِف عن وجْهِكِ، فإذا أنتِ هي، فأقول: إنْ يَكُ هذا مِن عندَ الله يُمضِه).
كان يدعو لها النبي صلى الله عليه وسلم دوما، عن عائشةَ رضي الله عنها قالت: لمَّا رأيتُ مِن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - طِيبَ النَّفْس قلت: يا رسولَ الله، ادعُ اللهَ لي، فقال: (اللهمَّ اغفرْ لعائشةَ ما تقدَّم مِن ذنبه وما تأخَّر، وما أسَرَّتْ وما أعْلَنتْ)، فضحِكتْ عائشةُ حتى سقَط رأسها في حجْرِ رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - من الضحِك، فقال: (أيَسرُّكِ دُعائي؟)، فقالت: وما لي لا يَسرُّني دعاؤك؟! فقال: (واللهِ إنَّها لدَعْوَتي)؛ أخرجه البزَّار.
-كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها كثيرة العلم، ولو جمع علم نساء الأرض لكان علم عائشة رضي الله عنها أفضل، كما قال الزُّهريُّ: لو جُمِع عِلمُ عائشة إلى عِلمِ جميعِ النساء، لكان علمُ عائشةَ أفْضلَ، وكانت رضي الله عنها حادة الذكاء محبة للفقه سريعة الحفظ فطنة، وقد روت عن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من ألفين حديث، ويقول عُروةُ بنُ الزُّبَيْر: "ما رأيتُ أحدًا أعلمَ بفِقه، ولا بِطبٍّ ولا بِشِعر من عائشةَ رضي الله عنها"، وقال فيها الذهبي: "أفْقَهُ نِساء الأمَّة على الإطلاق، ولا أعْلمُ في أمَّة محمَّد، بل ولا في النِّساء مطلقًا امرأةً أعلمَ منها"، وقد كانت رضي الله عنها مرجعا للصحابة الكرام في هدي النبي صلى الله عليه وسلم.
-وكانت رضي الله عنها زاهدة كثيرة الصيام والإنفاق، وعن أُمِّ ذَرَّة، قالت: بعَث ابنُ الزبير إلى عائشةَ بمالٍ في غِرَارتَيْن، يكون مائة ألْف، فدَعَتْ بطَبق، فجعَلتْ تقسم في الناس، فلمَّا أمسَت، قالت: هاتِي يا جاريةُ فُطوري، فقالت أمُّ ذَرَّة: يا أمَّ المؤمنين، أمَا استطعتِ أن تشتري لنا لحمًا بدِرْهم؟! قالت: لا تُعنِّفيني، لو أذْكْرِتني لفعلتُ، وعن عطاء: أنَّ معاويةَ بعَث إلى عائشةَ بقِلادةٍ بمائةِ ألْف، فقسمتْها بيْن أمَّهات المؤمنين، وعن عُروةَ، عن عائشة: أنَّها تصدَّقتْ بسَبْعِين ألفًا؛ وإنَّها لتُرقِّع جانبَ دِرْعها رضي الله عنها.
وفي حديث للبخاري يتبين شدة حب النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة ودفاعه عنها، قال: حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب، حدثنا حماد، حدثنا هشام، عن أبيه، قال: كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة، قالت عائشة: فاجتمع صواحبي إلى أم سلمة، فقلن: يا أم سلمة، واللهِ، إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة، وإنا نريد الخير كما تريده عائشة، فمري رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأمر الناس أن يهدوا إليه حيث ما كان، أو حيث ما دار، قالت: فذكرت ذلك أم سلمة للنبي صلى الله عليه وسلم، قالت: فأعرض عني، فلما عاد إليّ، ذكرت له ذاك، فأعرض عني، فلما كان في الثالثة، ذكرت له، فقال: يا أم سلمة، لا تؤذيني في عائشة، فإنه -والله- ما نزل علي الوحي، وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها.