نخاف الله لأننا نستشعر عظمة هذا الكون وعظمة خالقه، لخشيتنا أن نهلك بذنوبنا ومعاصينا، لخوفنا ألّا ننجح في هذه الدنيا الصعبة، المليئة بالفتن، نخاف الله لنبقى على صراطه المستقيم الذي أمرنا به، ونتجنب كل ما نهانا عنه، نخاف الله ليبقى القلب معلّقًا بخالقه، لنقابل الله بالقلب السليم الذي أتينا به إلى هذه الدنيا، ولأن الخوف من الله تعالى لا ينبع إلّا من قلب مؤمن، خاشع، خاضع لعزة الله تعالى وقدرته، فالخوف من الله شعور يقود الله تعالى به الإنسان إلى استشعار وجود الله والتوصل به إلى العلم والعمل، بدفعه إلى التفكر في خلق الله تعالى وعلمه بخالقه، مما يقوده إلى عبادة الله تعالى والعمل في سبيله بعلم وبصيرة، وكفّ الجوارح عن المعاصي وتقييدها بالطاعات، لينال المسلم بهذا الشرف منزلة القرب من الله تعالى واستحقاق جنتّه،
الإنسان المؤمن لا يرى في خوفه من خالقه عز وجل يأسًا ولا قنوطًا، إنما يكون دافعه في ذلك بغيّة خشية الله تعالى واستشعار نعمه وعظيم فضله، فنفوز برتبة الإحسان وهي أعلى مراتب الدين.
وهنا نستذكر قول الحبيب صلّى الله عليه وسلم عندما سُئل عن الإحسان فقال صلى الله عليه وسلم:" أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك".
وفي هذا الحديث يبين النبي صلى الله عليه وسلم أهمية أن يستشعر المسلم وجود الله تعالى في تفاصيل حياته ويومه، وألّا يغفل عن هذا، والخوف بمثل هذه الحالة يكون حميدًا للمسلم كي لا يراه الله حيث نهاه عنه، لأن خوفه الوحيد هو عدم استحقاق جنّته في الآخرة.
لذا، فإن الإنسان يكون مؤمنًا بالله تعالى عندما يثق برحمته، يثق بلطفه، عندما يستشعر أسماء الله الحسنى التي سمّى الله بها نفسه، الرحمن، الرحيم، الودود، الغفور، القريب، المُجيب، اللطيف، الكريم، التوّاب، والذي بإذنه تعالى سيتوب على خلقه المؤمنين، هذه ثقتنا وإيماننا بالله عز وجلّ، وإنما خوفنا منه سبحانه بغيّة نيل رحمته والفوز بجنّته ورضوانه وتحقيق أمنيتنا جميعًا بأن يكرمنا تعالى بالنظر إلى وجهه الكريم.
وهنا، وفي هذه اللحظة يزول كلُّ تعبٍ ومُرّ، يزول همَّ الدنيا وشقائها، هنا فقط، يجد الواحد منّا راحته ورضا قلبه، عند رؤية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عند الحوض، وعندما يكرمنا الله تعالى بدخول جنّته، ليس بأفعالنا في الدنيا، كلٌّ منّا مقصّر بطريقة ما، وهذا المؤمن الخائف التقيّ يرجو دخول الجنّة برحمة الله وفضله ومنّه عليه.
من هنا، يأتي وجوب خوفنا من الله تعالى، نخافه ليزداد فينا شعور خشيته واستشعار نِعمه، ليبقى القلب معلّقًا برحمة الله وتشوّقه للفوز بالجنّة، هذا القلب الذي سرعان ما تأخذه الدنيا بشهواتها، فيأتي شعور الخوف من الله ليردع هذا القلب عن كل ما نهاه عنه خالقه سبحانه وتعالى.
وخوف الإنسان من الله تعالى إنما يكون على قدر علمه بالله، فكلّما زاد علم الإنسان بالله تعالى زادت خشيته منه، وإذا كان علمه قاصرا فيكون خوفه قليل ويُخشى بذلك عليه ألّا ينال مرتبة المسلم العالم بالله تعالى.
كما أن الخوف يرتبط بمفهوم الرجاء، الذي يقصد به تأمل الخير من الله تعالى وطلب رحمته وكرمه، وانتظار وقوع ذلك.
فوائد الخوف من الله تعالى وخشيته:
- استشعار العبودية لله تعالى والخضوع له، بخشيته سرا وعلانيتا وأنه وإن زاد علم الإنسان ومهما كان قويًّا فإنه بالنهاية مخلوق ضعيف، عبد لله تعالى، ولم ينل ما ناله إلّا بفضل الله، وأنه لا يقوى على ردّ شيء أراده الله به.
- الخوف من الله تعالى يقوّي عزيمة الإنسان لفعل الخير واجتناب المنكر بغيّة الفوز بالجنة والنجاة من النار.
- الخوف يبعث في النفس البشرية شعور الطمأنينة، لأن لأن الخوف مقرون بالرجاء، وبالتالي فهو مستلزم له، فكل خائف راجٍ لله تعالى طالبًا لعفوه ومغفرته، وبالتالي يطمئن لأنه يثق أن الله تعالى لا يعذّب قلبا لجأ إليه ودعاه ورجاه.