قد يرى بعض الناس الشخص الساذج بأنه طيب، كما قد يرى البعض الآخر الشخص الطيب بأنه ساذج وأنه فريسة سهلة لاستغلاله والتنمر عليه وظلمه وأكل حقوقه والاستقواء عليه.
وللأسف نحن الآن في زمن يعتبر الطيب ساذج...
وقد تحدثت الأساطير الهندية عن قصة توضح الفرق بين السذاجة والطيبة، فبحسب هذه الأساطير فقد كان هناك ثعبان شرير جداً يؤذي الآخرين دون تردد، وقد أذى عدد كبير من المخلوقات وقتل الكثير منهم، وعندما استيقظ ضميره فجأة في يوم من الأيام وأراد أن يكفّر عن ذنوبه التي لا تعد ولا تحصى، وأن يكف عن إيذاء الآخرين، فسعى إلى راهب هندي ليقدم له النصح، فطلب منه الراهب بأن يسكن في مكان معزول عن الناس والمخلوقات، وأن يكتفِ بقدر قليلٍ جداً من المأكولات فرد الثعبان ونفذ ذلك، وبالرغم من انعزاله عن المخلوقات ومكوثه في مكان بعيداً جداً عنهم فقد جاء عنده مجموعة من الصبيان وقذفوه بالحجارة وبقي هو مكانه ينظر إليهم فقط دون أن يحرك ساكناً، فشجعهم ذلك على أن يذهبوا إليه كل يوم ويقذفوه بالحجارة حتى كادوا يقتلوه في مرة من المرات. فعاد الثعبان مرة أخرى إلى الراهب يسأله فقال له الراهب: انفث في الهواء نفثة كل فترة ليعلم هؤلاء الصبية أنك تستطيع رد العدوان إذا أردت ذلك. فعمل الثعبان بنصيحة الراهب فابتعد الصبية عنه وتركوه وشأنه... لعل هذه القصة تجسد ما يحدث معنا نحن البشر أيضاً، وكيف أن على الشخص الطيب أن يثبت نفسه وقوة شخصيته للناس بين الحين والآخر حتى لا يستقووا عليه ويستغلوه ظناً منهم أنه ساذج.
فالطيبة هي أن يكون الشخص متفهماً ومتسامحاً وسلسلاً في التعامل ومتفائلاً ويحب الخير للجميع، ولكنه في نفس الوقت إنسان واعٍ يستشعر الخطر ويتداركه، أما الشخص الساذج فقد يكون طيباً فعلاً مع وجود صفات أخرى في شخصيته كعدم استشعار الخطر ممن حوله، وعدم الرد على الإساءة...
بالنسبة لي... يعتبرني الكثيرون بأننا طيبة وهذا ما يقوله المعظم لي، ولكن -للأسف- هناك من يعتبرني ساذجة فيستغلني... وقد حصل معي موقف خلال عملي في إحدى الشركات الكبرى حين اضطررت لأخذ إجازة لمدة أسبوع، وعندما عدت وجدت أن الشخص الذي تدرب على يدي قد استغل غيابي واستخدم ملفاتي الخاصة لتقديم أفكاري واقتراحاتي للإدارة على أنها له، وصدقت الإدارة هذا ورقته فأصبح مديراً علي! وعندما واجهته بالأمر أنكر هذا وقدم لي حججاً سخيفة..
من المؤلم أن يراك الناس أنك ساذج لأنك تتصرف بحكمة وتتجاهل الكثير من المواقف المسيئة، ولعل الألم يكون أكبر لو كان هذا من شخص قريب جداً منك لتشعر بخيبة أمل كبيرة، لكنني أرى من تجاربي مع الناس بأن تفكير الآخرين بك لا يعكس واقعك، بل واقعهم هم؛ فمن يراك بأنك ساذج فهذا لأنه غير معتاد على الطيبة والصراحة والمشي باستقامة والتفاؤل، وفي المقابل من يراك بأنك طيب فهو كذلك أيضاً، فهو يفهم الفرق تماماً بين الصفتين.
لا تسمحوا لشيء يؤثر على طيبتكم أو ينقصها، ولكن ابقوا حذرين وانفثوا كل فترة ولو في الهواء ليعلم الناس أنك قادر على رد الإساءة ولكنك مترفع عنها.