لعل صياغة هكذا سؤال ستتغير بعد هذه الإجابة، إذ أن اختيار شخص أن يكون "معتلًا نفسيًا" يكاد يكون اعتلالًا نفسيًا. لكن بإمكاننا التساؤل عن الأسباب التي أدت بالشخص لأن يكون سايكوباثيًا، فهل هي البيئة المحيطة والأسرة، أم فقط جينات؟
بداية لنوضّح تعريف السيكوباثيّ أو الشخص المعتل نفسيًا. إن هذه الشخصية من أكثر الشخصيات تعقيدًا، فشخص كهذا يمكنه الظهور كشخصية طبيعية وعاقلة جدًا، ثم إنه في كثير من الأحيان يكون لبقًا في تعاملاته مع من حوله. لكن إلى جانب ذلك، فهو يملك جانب مظلم يستولي على حياته. إذ أن المعتل نفسيًا هو شخص عنيف يتلذذ غالبًا بإلحاق الأذى بمن حوله. وقد امتلأت السجلات الجنائية بمجرمين من هذا النوع، ويذكر أنهم أصحاب أشد الجرائم بشاعة؛ من قتل وتشويه واعتداءات واغتصاب.
لهذه الشخصية عدة سمات، وعلى الرغم من عدم وجود منظمة نفسية قد أقرت تشخيصًا رسميًا ومحددً بعنوان "السيكوباثية"، إلا أن تقييمات من هذا النوع تنتشر في المؤسسات الجنائية وتساعد بالقيام بدور مهم في هذه العمليات.
إن المفاهيم والتعريفات الكثيرة حول الإعتلال النفسي قد أكدت على الأقل ثلاث خصائص يمكن ملاحظتها في هذه الشخصية(١):
- الجرأة، فهُم لا يُحكمون بالخوف ولا التوتر من الخطر.
- ضعف السيطرة على الإنفعالات والمباشرة بالإشباع المباشر والفوري، إلى جانب انعدام الحدود السلوكية.
- الخباثة أو الدناءة، فهم أيضا لا يقدّرون العلاقات والتعاطف، ويسعون للسلطة بالطرق الغير أخلاقية.
يجب القول أنه لا يوجد واقعيًا دليل علمي واضح يمكن من خلاله تصنيف الأشخاص على أنهم "معتلين نفسيين" أو غير ذلك. ويلجأ الكثير إلى وصف السيكوباثي بأنه مريض نسبيًا بشكل نسبي.
عند البحث عن ما أدى بالشخص المعتل نفسيًا لأن يكون كذلك فقد ظهرت احتمالات كالوراثة أو التأثر بالبيئة أو إصابات الرأس والدماغ.
إن الميل الأكبر في هذه الحالة كان نحو الجينات، إذ وُجِد أن الجرأة وعادات معاداة المجتمع قد تأثرت بالعوامل الوراثية إلى جانب أنها غير مرتبطة ببعضها البعض.
أما بالنسبة للبيئة فكانت هي العامل الذي يحدد السمات السائدة للشخصية السيكوباثية. تضمنت أقوى العوامل البيئية وجود والد مُدان، والإهمال الجسدي، وانخفاض مشاركة الأب مع الولد، دخل الأسرة المنخفض، ومن عائلة مفككة. ومن العوامل المهمة الأخرى ضعف الإشراف ، والانضباط القاسي، وكبر حجم الأسرة، والأخوان المنحرفين، والأم الشابة، والأم المكتئبة، والطبقة الاجتماعية المتدنية، وسوء الإسكان (٢). كن يبقى من الصعب تحديد مدى التأثير البيئي على تطور السيكوباتية بسبب الدليل القوي على قابلية التوريث لها.
وبالنسبة لإصابات الرأس فقد ربط العلماء إصابات الدماغ الرضحية ، مثل تلف قشرة الفص الجبهي ، بما في ذلك القشرة الأمامية بالسلوك السيكوباتي وعدم القدرة على اتخاذ قرارات مقبولة أخلاقيًا واجتماعيًا، وهي حالة سميت "بالاعتلال النفسي الكاذب"(٣) ووُجِد أن هذه الإعاقات العاطفية والاجتماعية تكون شديدة بشكل خاص عندما تحدث اصابة الدماغ بسن مبكرة.
من القصص الحقيقية التي قد توضح ما سبق هي قصة المجرم إدموند كيمبر(٤)، المجرم الذي وَرِث صفات القسوة من أمه ثم عانى من معاملتها المفتقرة للعاطفة أثناء طفولته، مما أدى به لأن يقوم بعدة جرائم قاسية وبشعة لا يمكن تصورها.