المدرسة التكعيبية أو cubism، هي أحد الاتجاهات الفنية التي ظهرت في بداية القرن العشرين، حيث أنها اتخذت من الأشكال الهندسية المتمثلة في بنظرية التبلور التعدينية أساس لبناء أعمالها الفنية، ولدت هذه الحركة على يد الفنان بابلو بيكاسو ،الذي عمل على وضع أساساتها التي من خلالها استطاع تحرير الفن من قالبه التقليدي، والانطلاق به نحو الحرية التي تجسدت في تفاصيل الخطوط المبعثرة بصورة هندسية تصور الواقع بصورة غير مألوفة على اللوحات التجريدية.
"لا يعتبر الوجه إلا مسألة عيون وأنف وفم يمكن توزيعها بأي طريقة تريدها."
بابلو بيكاسو.
بتلك الكلمات عبر بابلو بيكاسو عن تصوره للواقع، و تمرده على المألوف، وتشكيل صورة تعبر عن روحه بالشكل الذي تراه عيناه، حيث أن أعمال الفنان بابلو بيكاسو قسمت الى فترات و كانت أبرزها الفترة الزرقاء التي استمدت اسمها من خلال لوحات بيكاسو التي تميزت بظلال اللون الأزرق الباهت الدال على مشاعر الحزن والتعاسة التي كان يشعر بها خلال تلك الفترة وكان أشهرها لوحة عازف الغيتار ،الذي استطاع بيكاسو من خلاله ان يجسد شخصية رجل اعمى فقير منكفئ على نفسه في الفضاء الكئيب،يستمد الأمل من خلال عزفه على آخر وتر في قيثارة، من وجهة نظري ان شخصية بيكاسو الفنية تشكلت خلال هذه الفترة و استطاع الحزن ان يفتح امامه افقا كثيرة ساعدته لاكتشاف الشغف المدفون في طيات روحه.
بدأ تأثير بيكاسو على المدرسة التكعيبية و تشكيل أساس بنيانها، في عام 1907 حين التقى بالفنان جورج براك، وقتها كان بيكاسو يعمل على مجموعة لوحات جديدة مستوحاة من الفن الأفريقي الذي يتميز ببساطة اقنعته وشكل النحت المتمركز في أعماله الفنية شكلها البدائي إلى حد ما، حينها حاول بيكاسو ابتكار أسلوب جديد يربط بين التكعيبية و المواضيع التي تنتمي للفن الأفريقي ليشكل من خلالها لوحته الشهيرة (آنسات الفينيون)، التي جسدت الفن الأفريقي المتضمن للأشكال التكعيبية.
تميزت لوحات بيكاسو التكعيبية بتمردها على الواقع، حيث اعتمدت على الشكل ثنائي الأبعاد والتسطيح الذي يتحكم بالشخصيات والخطوط التي انفصلت عن قواعد الظل و المنظور، حيث ان هذه اللوحات تمكن المشاهد من أن يرى مضمون اللوحة من مختلف الزوايا بسبب الكتل المفككة التي تترأس قاعدة سطح اللوحة.
قد مرت الحركة التكعيبية بمرحلتين، حيث برز دور بيكاسو في تقسيم هذه المراحل من خلال لوحاته التي تميزت في المرحلة التكعيبية التحليلية باللوحات فوضوية لتفاصيل اشياء مجزأة تتخللها الألوان المحايدة، أما في المرحلة التكعيبية التركيبية امتاز اللوحات ببساطة التركيب تخلل اضاءة الألوان في تفاصيل اللوحة، وبذلك استطاع الفنان بابلو بيكاسو أن يشق طريقه نحو الابتكار المتجسد في التخلي عن الصور التصويرية المتجسدة في الفن التقليدي و الارتقاء بالفن نحو مرحلة ابداعية جديدة تعبر عن الفن التجريدي، ليتمكن من خلالها إيصال صوت روحه للعالم و اعتبار مدرسته المبتكرة من أشهر المدارس الفنية عبر العصور.
لقد اعتبرت لوحات بيكاسو عبر العصور من اللوحات الاسطورية السابقة لعصرها و التي استطاعت أن تكسر قيود الفن، و قواعد المنظور التي سيطرت على اللوحات الفنية منذ عصر النهضة، وأيضا كانت ومازالت مصدر الهام و اساسا تبنى عليه مختلف القواعد الفنية الحديثة ولعل أبرزها الفنون المعمارية في العصر الحديث التي يعتمد على القواعد المدرسة التكعيبية لتشكيل مختلف مجسماتها بصورة غير مألوفة و متمردة على الواقع.
من وجهة نظري ان تأثير بابلو بيكاسو على المدرسة التكعيبية كان جوهريا، حيث انه زرع بذور شجرتها المبتكرة، و اعتنى بها حتى اضحت جذورها قوية متمسكة في تربة الحياة، و تركها تطلق العنان لروحها وتنطلق غصونها نحو السماء لتعمر في الأرض و تمنحها ثمار الإبداع التي استطاع من خلالها الفنانون في الفن الحديث بناء أعمالهم المبتكرة.