"في البداية يجب أن تخضع نفسك لتأثير الطبيعة. يجب أن تكون قادرًا على المشي بثبات على الأرض قبل أن تبدأ في المشي على حبل مشدود."
هنري ماتيس
من خلال هذه الكلمات عبر الفنان هنري ماتيس عن بداية رؤيته لعالم الفن بين تفاصيل الطبيعة و انطلاق خطواته عبر حبا الخيال المشدود بطرف الواقع لتأسيس و بناء ما يعرف بالمدرسة الوحشية، فما هي هذه المدرسة، وكيف استطاع هنري التأثير عليها؟
الفنان هنري ماتيس احد ابرز مؤسسين المدرسة الوحشية أو (fauvism)، ويعتبر من كبار الاساتذه فيها، حيث أن أعماله امتازت بأنها متمردة على الواقع وذلك من خلال رسوماته الإهليجية التي تصف المواضيع بدون الاكتراث الى التفاصيل الدقيقة، مما جعلها تشق طريقها نحو بناء مدرسة جديدة للفنون و جعلها أساسا تبنى عليه الخطوط والألوان الحديثة.
امتازت حياة هنري في بدايتها بنوع من أنواع الروتينية حيث كان الابن الأكبر لأحد تجار الحبوب الاثرياء في فرنسا، ودرس القانون، وأصبح مسؤول محكمة في بلدته، تلك الحياة الراكدة تغيرت بمجرد ان لامست أنامله الهدية التي اعطته اياها أمه خلال فترة التعافي من نوبة الزائدة الدودية التي كان يعاني منها، حيث ان مستلزمات الرسم تلك أيقظت الشغف المدفون بين طيات روحه تنطق شفتاه وتصفها بأنها "نوع من الجنة"، وينطلق معها نحو عالم الفن ويبدأ رحلته الابداعية.
انطلق هنري نحو باريس ليلتحق بأكاديمية جوليان، وأصبح طالبا لأكبر الفنانين آنذاك، كانت بدايته في الفن تتمثل من خلال رسم الطبيعة الصامتة بشكلها التقليدي، وتأثر بأعمال أساتذة الفن مثل ادوارد مانيه و الفنون اليابانية.
لكنه اكتشف ذاته حين زار صديقه الرسام الاسترالي بيتر راسل في مرسمه، و تعرف ماتيس من خلال هذه الزيارة الى المدرسة الانطباعية و أعمال فان غوخ، و حينها تعرف إلى نظرية الألوان، وتغير مفهومه عن الواقع و الوانه التقليدية، مما جعل ابواب عالم خياله تفتح امامه على مصراعيها، و التي بدورها مكنته من ابتكار لوحات تعكس منظوره الشخصي، و التي حفزته على استخدام الألوان الصارخة و الصريحة، و الخطوط العريض المتمردة على قواعد الظل والمنظور، تملأ المساحات المسطحة الكبيرة في لوحاته التي تخلو حكاياها من الموضوع الدرامي، و تتخذ من الموضوعات البسيطة اساسا لأفكارها التشكيلية التي أسس من خلالها ماتيس ما يعرف بالمدرسة الوحشية.
تأسست المدرسة الوحشية تحت تأثير العديد من الفنانين ولعل ابرزهم هنري ماتيس ،حيث انه اسس طريقا فنيا جديدا و استحوذ على الأضواء الفنية في مختلف أرجاء العالم من خلال لوحاته التي تتميز بتعبيرها عن أفكار و مشاعر الفنان بشكل حر، و تفرد هذه اللوحات الأسلوب المبني على الضوء المتجانس والبناء المسطح الخالي من مبادىء الظل والنور، مما جعل البساطة تقود اللوحات نحو البدائية بالرسم، لتخلق بداخل المتلقي نوعا من أنواع المتعة عند التمعن في التفاصيل اللوحة وأشكالها البسيطة.
اهتم الفنانون بهذه المدرسة بالموضوعات الطريفة و البسيطة، واختلف اسلوبهم عن التعبيريون الذي كان اغلب النقاد يصنفونه أعمال المدرسة الوحشية إليهم، حيث ان الاختلاف كان واضح و تفرد الوحشية و تميزها من حيث بساطتها وابتعادها عن التعمق في الأبعاد النفسية و الاخلاقية التي تجسد اعمالها جعلها تستنبط اسمها و تقف شامخة في أحد المعارض الفنية التي كانت اللوحات الوحشية و ألوانها الصاخبة تستحوذ على الأجواء مما جعل الناقد الفني "لويس فوكتيل" يستنكر وجود تمثال برونزي تقليدي للفنان ماركيه بوسط هذه اللوحات و يصيح قائلا "التمثال!! بين الكائنات المتوحشة!"، فاحتفظت المدرسة باسمها منذ ذلك الوقت.
استطاع الفنان هنري ماتيس اللحاق بشغفه و الوصول الى عالم خياله الذي تملأه تفاصيل منحنى جديد من الألوان والخطوط التي جسدها في لوحاته الفريدة، و أسس من خلالها قواعد جديدة في عالم الفن كسرت القالب التقليدي و انطلقت به نحو الحرية التي ترجمها الفنان من خلال ضربات خياله على أوراقه.
173 مشاهدة
