ما يدور في النفس لا يعلمه إلا الله تعالى ، فلا القرين ولا الجن ولا الإنس يعلمون ما يفكر به الشخص غير الله تعالى ، ثم نفسه التي بين جنبه ، بدليل قوله تعالى : ( لِّلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ ۖ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) البقرة (284)
- قال ابن عباس : إن هذه الآية حين أنزلت غمت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غما شديدا ، وغاظتهم غيظا شديدا ، يعني ، وقالوا : يا رسول الله ، هلكنا ، إن كنا نؤاخذ بما تكلمنا وبما نعمل ، فأما قلوبنا فليست بأيدينا ، فقال لهم رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " قولوا : سمعنا وأطعنا " . قالوا : سمعنا وأطعنا . قال : فنسختها هذه الآية : ( آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله ) إلى ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ) فتجوز لهم عن حديث النفس وأخذوا بالأعمال .
- وفي هذا يقول الإمام السدي: للإنسان شيطان وللجن شيطان فيلقى شيطان الإنس شيطان الجن فيوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا. اهـ. فالشيطان القرين للإنسي لا يفارقه في أكثر أحيانه ويرى منه ويعلم عنه أكثر مما يعلم بقية أقارب الإنسي فإذا سأله شيطان الجني أخبر بما يعلم عن صاحبه .
- فالقرين من الجن لا يحب صاحبه - لأنه يأمره بالشر - فالذي يأمر بالشر لا يحب صاحبه بل يتمنى له الشر والدخول في جهنم .
- وقد ثبت القرين في قوله تعالى : ( قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ . قَالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ . مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ ) ق/27-29 .
- فالقرين من أعوان الشيطان من الجن الملازم لكل إنسان لإغوائه لفعل الذنوب والمعاصي وتزين المنكر له .
- حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم كان له قرين من الجن ولكنه أسلم فصار يأمر الرسول بالخير بدل الشر ، كما ورد في الحديث : فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما منكم من أحد إلا وقد وُكِّل به قرينه من الجن)) قالوا: وإياك يا رسول الله؟ قال: ((وإياي، إلا أن الله أعانني عليه فأَسْلَمَ، فلا يأمرني إلا بخير)) رواه مسلم .
- فوظيفة القرين بالنسبة للإنسان هي: الإغواء والوسوسة والصد عن ذكر الله تعالى واستغلال غفلة العبد بالمعاصي والذنوب وفعل الشر .
- وعليه : فالقرين لا يحب صاحبه، بل يحاول جره إلى فعل الشر والوقوع في المحرمات ، ويتواصل معه عن طريق الوسوسة والإغواء وتنزين الشر .