في حقيقة الأمر، فإن مسألة عقاب الظالم والعفو عنه يتعلق فيه أمران، أذكرهما لك توالياً:
الأول: حق الله تعالى، فالظالم عاصٍ لله عز وجل بظلمه، وهذا الحق يغفره الله عز وجل إذا تاب الظالم إليه توبة صادقة لا يعود بعدها لذنبه، والعزم على إصلاح ما أفسده.
الثاني: حق العباد الذين ظلمهم، وهذا حق لا يتركه الله عز وجل، حتى يعفو العبد عمن ظلمه في الدنيا والآخرة، ويسأل الله له المغفرة والرحمة، وإما أن يقع القصاص على الظالم وبذلك يسقط حق المظلوم.
وهذه شروط أقرها العلماء فيما يخص بالعفو عن الظالم فيما ظلم، وفي هذا المقام ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث نصه: " من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه، أو من شيء، فليتحلله منه اليوم، قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أُخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات، أُخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه".
وإذا عفا المظلوم عن ظالمه فلا رجعة في العفو، وما يسقط الظالم لا يعود له إلا بارتكابه ظلماً آخر، وبسقوط الذنب يتلاشى، وحاله يصبح بحال المعدوم.
وقد نهى عن الدعاء على الظالم بعد العفو عنه أو بعد تطبيق القصاص بحقه، وقد قال الله عز وجل: " ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ" سورة الأعراف / 55.
وعن عبد الله بن أنيس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يحشر العباد يوم القيامة حفاة عراة غرلًا بهمًا، فيناديهم مناد بصوت يسمعه مَن بعُد كما يسمعه مَن قرُب: أنا الملك، أنا الديَّان، لا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة وأحد من أهل النار يطلبه بمظلمة، حتى اللطمة فما فوقها، ولا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار وعنده مظلمة، حتى اللطمة فما فوقها، "وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا" سورة الكهف /49، قلنا: يا رسول الله، كيف وإنما نأتي حفاة عراة غرلًا، بهمًا؟ قال: بالحسنات والسيئات جزاءً وفاقًا، " وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا".