رفع اليدين في الدعاء سنة من سننه وأدب من آدابه إلا في المواضع التي لم يرفع النبي عليه الصلاة والسلام يديه فيها ، لإن في رفع اليدين إظهار مزيد ذل وافتقار ومسكنة وحاجة بين يدي الله سبحانه ، وهذا من التضرع الذي أمر الله به في الدعاء في قوله ( ادعوا ربكم تضرعا وخفية ) ،خاصة في دعاء المسألة الذي يطلب فيه العبد حاجته من الرب.
ولو ترك العبد رفع يديه أثناء الدعاء مع مشروعيته في تلك الحال - وذلك بعدم وجود دليل على عدم مشروعية الرفع - فقد ترك سنة من سنن الدعاء ، ولكن دعاءه مع ذلك جائر مقبول إن شاء الله .
وقد عقد الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه في كتاب الدعوات بابا سماه " باب رفع الأيدي في الدعاء " ، و ألف كتابا منفصلا سماه " جزء رفع اليدين " ، ذكر الأحاديث الدالة على استحباب ومشروعية رفع اليدين في الدعاء عموما ، منها : حديث (ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ) ، وحديث (إِنَّ اللَّهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي إِذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَيْنِ) .
فالأصل في الدعاء مشروعية رفع اليدين واستحبابه ولا يحتاج إلى دليل خاص في كل موضع استحب فيه الدعاء ، إلا إذا ثبت أن النبي عليه السلام دعا في هذا المقام دون رفع يدين فيصبح رفع اليدين حينها ليس مشورعا .
وقد كان الإمام أحمد رحمه الله يدعو بين الأذان والإقامة ويرفع يديه كما جاء في كتاب مطالب أولي النهى حيث قال "يدعو بعد الأذان لحديث أنس مرفوعاً الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة. رواه أحمد وغيره وحسنه الترمذي. (و) يدعو (عند) فراغ (إقامة بما أحب) فعله أحمد ورفع يديه ".
أما المواضع التي لم يرفع النبي فيها يديه في الدعاء فمنها الدعاء بين السجدتين ، والدعاء عند التشهد الأخير ، والدعاء في الخطبة الثانية يوم الجمعة حيث لم يكن النبي عليه السلام يزيد على رفع إصبعه - إلا إذا استسقى - لذلك لا يشرع للخطيب رفع يديه في دعاء الجمعة على الصحيح ، لما رواه الإمام مسلم في صحيحه عمارة بن رؤيبة رضي الله عنه : " أنه رأى بشر بن مروان على المنبر رافعاً يده فقال: قبح الله هاتين اليدين، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يزيد على أن يقول بيده هكذا. وأشار بأصبعه المسبحة."
وهل الماموم مثل الإمام في ذلك فيكتفي برفع إصبعه ؟ فيه خلاف بين العلماء بعضهم أجاز وبعضهم منع ، والأمر في ذلك قريب ويسير إن شاء الله .
والله اعلم