هل هناك دليل من القرآن أو السنة الشريفة ينص على أن من شب على شيء شاب عليه وأن الإنسان إذا أخطأ واستمر في الخطأ لن يستطيع في حياته كلها أن يصلحه؟

1 إجابات
profile/دمحمد-الطويل-1
د.محمد الطويل
دكتوراة في الفقه وأصوله (٢٠١٠-٢٠١٣)
.
٠٨ فبراير ٢٠٢١
قبل ٤ سنوات
أما عبارة " من شبً على شيء شاب عليه " بمعنى أن الإنسان يكبر على ما تعوده وتعلمه في صغره ، فمعناها صحيح وهناك بعض النصوص الشرعية التي تدعم هذا المعنى .

وأما قولك بعد ذلك " وأن الإنسان إذا أخطأ واستمر على خطئه لن يستطيع في حياته كلها أن يصلحه " فهذا غير صحيح ، والنصوص الشرعية تدل على خلاف هذا المعنى ، وهذا الكلام ليس هو معنى العبارة الأولى .

فالعبارة الأولى تحمل معنى أن من تعلم وتربى على شيء من الأخلاق أو الدين والصفات في صغره وشبابه - وهذا معنى شبَّ - فإنه في غالب الحال يستمر على هذه التنشئة في مشيبه - وهذا معنى شاب عليه - ، فتربية الصغير لها تأثير وانعكاس على سلوكه في كبره ، لإن الإنسان كائن متعلم بطبعه والمؤثرات التي حوله تؤثر عليه ، وهذا معنى متفق عليه بين علماء الدين والتربية.

ومن النصوص الشرعية التي تؤكد هذا المعنى :

1. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "  مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين، وفرقوا بينهم في المضاجع". (أخرجه أحمد وأبو داود).

فهذا الحديث يفيد أن على أهل الطفل أن يربوه على الصلاة والطاعة منذ صغره حتى يضربوه إذا تركها - ضرب تأديب لا ضرب إيذاء - ، فلا يكبر الطفل إلا وقد تعود على الصلاة وارتاضت نفسه على أدائها .

وكان الصلاة يفعلون ذات الشيء في الصيام مع أولادهم كما روت الربيع بنت معوذ بن عفراء عن صيام يوم عاشوراء حيث جاء في ضمن الحديث الذي رواه مسلم  " فَكُنَّا، بَعْدَ ذلكَ نَصُومُهُ، وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا الصِّغَارَ منهمْ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَنَذْهَبُ إلى المَسْجِدِ، فَنَجْعَلُ لهمُ اللُّعْبَةَ مِنَ العِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ علَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهَا إيَّاهُ عِنْدَ الإفْطَارِ " .

2. قوله تعالى ( بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ ) (الزخرف ،22) .

فهذه الآية تشير إلى معنى أن الإنسان يصعب عليه مخالفة العادات التي نشأ عليها ووجد آباءه وأجداده عليها ، وهذا كان سبباً من أسباب إصرار بعض كفار قريش على كفرهم كأبي طالب الذي رفض أن يدخل في الإسلام حرصاً على ملة عبد المطلب .

فتغيير العوائد والمعتقدات التي ينشأ عليها الإنسان ليس بالأمر السهل ، بل الإنسان أسير العادة في الغالب .

ولكن هذا لا يعني أنه يستحيل على الإنسان أن يغير شيئاً من العادات أو الأخطاء التي نشأ عليها أو التي استمر عليها فترة طويلة ،بل متى صمم الإنسان وقرر أن يغير هذا الخطأ أو هذه العادة السيئة فإنه مع التصميم والعزم ومعونة الله يستطيع أن يغيره ، وظنه أنه لا يستطيع هو من تسويل الشيطان وسوسته حتى يمنعه من التفكير في التوبة .

فالله تعالى قال (  قل يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) (الزمر ، 53) .

فهذا نص قرآني يدعو الله فيه المسرفين يعني المكثرين من المعاصي إلى التوبة ، فلولا أن الإنسان يستطيع أن يرجع ويترك المعصية التي مارسها فترة طويلة لما كان لهذا الخطاب فائدة ترجى .

وفي الحديث المشهور المتفق عليه أخبرنا نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام عن قصة الذي قتل تسع وتسعين نفساً ثم أراد أن يتوب فاخبره العابد أنه لا توبة له فاكمل به المائة ، ثم أراد أن يتوب فاخبره العالم أن له توبة ونسحه الخروج من أرضه إلى أرض أخرى ، فمات في الطريق فقب الله توبته وأدخله الجنة بصدق نيته .

فهل هناك إسراف وإصرار على الخطأ أكثر من قتله 100 نفس ؟! ومع ذلك لما تاب تاب الله عليه .

ثم إن كثيراً من الصحابة عاشوا سنوات طوال في الكفر وعبادة الأصنام ولكن الله نور قلبهم بالإسلام فتركوا الكفر وصاروا من خيار الصحابة .

فهذا كله دليل أن الإنسان يمكن أن يغير من عادات السيئة التي نشأ عليها ، وقد ورد في الحديث  «إِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ، وَإِنَّمَا الْحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ، وَمَنْ يَتَحَرَّ الْخَيْرَ يُعْطَهُ، وَمَنْ يَتَوَقَّ الشَّرَّ يُوقَهُ» ( رواه الطبراني ).

فالعادات والتنشئة لها دور كبير في اخلاق الإنسان ولكن هذا لا يعني انهلا يمكن أن يتغير .

والله أعلم