هل من الضروري أن نختار بين الالتزام بالواجب الأخلاقي وطلب السعادة؟

1 إجابات
profile/دمحمد-الطويل-1
د.محمد الطويل
دكتوراة في الفقه وأصوله (٢٠١٠-٢٠١٣)
.
١٣ يوليو ٢٠٢١
قبل ٤ سنوات

ليس هناك تعارض بين الالتزام بالواجب الأخلاقي - كما أسميتَه - وطلبك للسعادة وسلوك أسبابها حتى تكون مضطراً للاختيار بينهما!

بل إن السعادة الحقيقية قرينة التزامك بدينك وأخلاقك، وبدون هذا الالتزام فإن ما تُحَصِّله إنما هو متع وشهوات تنقضي لذّتها وتبقى حسرتها.


فعليك أن تفرّق بين السعادة الحقيقة والمتع الظاهرية:


فالسعادة الحقيقية: شعورٌ داخليٌّ يعني السكينة والطمأنينة وراحة البال، ولا يعني بالضرورة نيل المال والجاه والشهوات، بل قد يكون الشخص من أفقر الناس وهو سعيد في الوقت ذاته؛ لرضاه عن ربه وقناعته بما قسم له من رزقه، وعلمه أن الدنيا دار ابتلاء لا جزاء.

ومثل هذه السعادة شرطها الرضا عن الله والتزام أوامره -ومن ضمنها ما سمّيته بالواجب الأخلاقي-، فدون هذا الالتزام فإنك تبقى خائفاً من أثر هذه المخالفة سواء في الدنيا بالفضيحة أمام الناس أو في الآخرة بنيل عقاب الله.


أما المتع الظاهرة: فهي شهوات ينالها الإنسان يمتّع بها جسده وبدنه فترةً معيّنة، أما روحه فلا يسعدها إلا التزامه بدينه وقربه من ربه، وذلك حقيقة الفرق بين الإنسان والحيوان!


فكيف لمن حصّل ماله من حرامٍ سواء بالرشوة أو ظلم الناس وخداعهم وغشّهم أن تسعد روحه وترتاح نفسه؟!

وكيف لمن همّه في قضاء شهوته مع النساء المحرمات عليه وسهر الليالي الحمراء -كما يقال- أن تسعد روحه وتقرّ عينه؟!


إياك أن تظن من سكن القصور الواسعة وركب السيارات الفارهة ونال المناصب الكبيرة فإنه بذلك وصل حقيقة السعادة، بل قد يكون عنده كل ذلك وأكثر وهو من أنكد الناس عيشاً وأضيقهم صدراً، وكم سمعنا ورأينا من قصص انتحار المشاهير الذين يحسدهم كثير من الناس على حياتهم ولا يعلمون شيئاً عما في داخلهم!


فعليك أن تبحث أصلاً عن سعادة روحك ورضا نفسك بطاعة ربك والتزامك بأومراه، ثم إن حصلت مع ذلك شيئاً من متع الدنيا وشهواتها بالحلال فهذا زيادة فضل ونعمة وسعادة على سعادة، وإن لم يُوسّع عليك في دنياك فالآخرة خيرٌ وأبقى، وفيها من المتع والملذّات والسعادة في الجنة ما ينسيك الدنيا كلها بلحظة واحدة!


قال الله تعالى في "سورة طه: 123-124": (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ)