أولاً : افتراضك أن الله لم يبتليك افتراض خاطئ ، قائم على فهم البلاء بأنه المصيبة فقط من مرض أو فقر وهذا غير صحيح ، بل البلاء قد يكون بالسراء كما يكون بالضراء ،وقد يكون بالصحة و الغنى والعافية كما كان يكون بالفقر والمرض .
قال الله تعالى على لسان نبيه سليمان عليه السلام في قصته مع ملكة سبأ بعد أن رأى إحضار عرش ملكة سبأ عنده في بيت المقدس بطرفة عين:
" فلما رآه مستقراً عنده قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم ".
فإذا كان الله وسع عليك في رزقك وأعطاك مالاً وعافاك في صحتك ، فهذا أيضاً ابتلاء لك بالغنى والصحة والمنصب والجاه ، هل تشكر الله على هذه النعمة وتؤدي حق الله في هذه النعمة ، فتعطي زكاة مالك ، وتساعدي المحتاج الذي لا يجد غيرك يساعده ، وتصل به رحمك ،وتعين الضعيف ،وتستخدم جاهك في قضاء حوائج الناس والشفاعة لهم ؟
أم أنك تبطر عند حصول النعمة فتنسى حق الله وتتكبر على خلقه وترى لنفسك منزلة عليهم استحققت بها هذا المال ،وحينها تكون من الخاسرين الجاحدين نعمة عليهم .
واعتبر في ذلك بقصة النفر الثلاثة من بني إسرائيل التي أخبرنا عنها رسول الله وفيها أن أقرع وأبرص وأعمى كانوا فقراء منبوذين من الناس ، فأرسل الله لهم ملكاً فسألهم عن أمنياتهم فذكروا أنها زوال ما بهم من أمراض ،ثم سألهم عن احب المال لهم فأعطى كل واحد منهم ما طلب .
ثم جاءهم هذا الملك مرة أخرى في صورة رجل محتاج مسافر ابن سبيل يسألهم الصدقة والمعونة ، فامتنع الأبرص والأقرع عن مساعدته وتذرعوا بأن الحقوق كثيرة فلما ذكرهم بماضيهم جحدوا واستكبروا وقالوا إنما ورثناه كابراً عن كابر ، أما الثالث الذي كان أعمى فإنه أذن له أن يأخذ ما يشاء من أمواله وذكر نعمة الله عليه وماضيه ونسب الفضل إلى الله ، فقال الملك " أَمْسِكْ مَالَكَ ، فَإِنَّمَا ابْتُلِيتُمْ ، فَقَدْ رُضِيَ عَنْكَ وَسُخِطَ عَلَى صَاحِبَيْكَ "
فسمى الغنى وما أعطاهم الله من الصحة ابتلاءً ،وكان ابتلاء الصحة والغنى أشد عليهم من الفقر والمرض .
فإذا ابتلاك الله بالصحة والغنى وأعانك على شكره وأداء حقه وطاعته فيه ، فهذا البلاء أيضاً دلالة محبته لك أيضاً ،لأنه وفقك لما يرضيك عنه .
وفي المقابل لو أن الله ابتلى عبده بالفقر والمرض ولكنه لم يرزقه الصبر والرضا والتسليم فإن مجرد هذا البلاء ليس دلالة محبة الله لعبده .
فالدنيا أصلا وجدت للابتلاء والاختبار وافتراض عدم الله ابتلاء الله لعبده فيها مخالف لسنة الله الكونية .
ثانياً : تأكيداً للنقطة السابقة ليست العبرة بنوع البلاء بل العبرة بحال العبد في هذا البلاء ، وهل يكون فيه من الصابرين الراضين أو من الحامدين الشاكرين أم يكون من الساخطين أو المتكبرين .
ثالثاً : أن هذا الحديث إنما جاء تسلية لأهل المصائب والابتلاءات بالفقر والمرض والجرح وفقد الأنفس والأحبة لينبههم ويجبر مصابهم ويخفف عنهم بلاءهم ، فهم أشد ما يكونون حاجة إلى من يثبتهم ويربط على قلوبهم في مصابهم ، فهذا الحديث فيه ربط على قلوب أهل المصائب وتثبيت لهم ، فهو الأصل موجه لهم لأنهم أشد حاجة من غيرهم ، فلا يفهم منه مفهوم المخالفة أن من لم يبتلى بالفقر فإن الله لا يحبه ، فهذا توجيه خاطئ للحديث .
ثم إن بعض الناس قد تعتقد أن الفقر والمرض والابتلاء بالضراء دلالة سخط ، وأن الغنى دلالة صلاح العبد ورضا الله عنه ،فجاء الحديث لينبه على خطأ هذا المفهوم .
والله أعلم