هل سبق وشعرت بالحزن لطلاق مشهورٍ ما أو موته ومن يكون؟

 في اغلب الاذهان كلمة مشهور تشير الى مغنّي/ة او ممثل/ة أو حتى شخص غني جدا مثل “بيل غيتس” صاحب شركة مايكروسوفت لكن في الحقيقة الشهرة هي معرفة الناس بك، تختلف مستويات الشهرة بالطبع من العم “أبو محمد” صاحب الدكان التي لا تغلق ابوابها ابداً وبين “جورج كلوني” الممثل الأمريكي.

 كوننا بشر من الطبيعي أن نحزن على موت احدهم بالكاد عرفناه، و من الطبيعي ايضا ان نشعر ببعض الحسرة على فقدان شخص مشهور ولا يسما ان كنت من متابعيه، مثل “حسن حسني” الممثل المصري صاحب المسيرة الكبيرة جداً و الذي امضى حتى اخر لحظاته يرسم الابتسامة على وجوه معجبيه، و كما ذكرت سابقاً ليس الممثلين وحدهم المشهورين، عندما توفى الملك الحسين في نهاية القرن العشرين كنت لا ازال صغيرا لكني واعياً لما يحصل من حولي، الحزن الذي خيم على المملكة لمدة طويلة لموت الحسين، ادخل البلاد في هالة من السواد مما دعا المواطنين عن ايقاف الاعراس والمناسبات احتراما لموته، لكن في هذه الأيام أرى ان البعض الكثير يحزنون ويبكون على ما ليس له داع، فالأخبار الرائجة عن الممثلين والغنيين المشهورين في العالم تجذب الكثير ممن يهوون تناقل الاشاعات، فخبر ليس لك به مغزى أو داعي كطلاق “انجيلينا جولي” من “براد بيت” أبكى الكثير وأقيمت صالات عزاء وامتنع البعض عن الحديث في الموضوع خشيةً على مشاعره المرهفة الحساسة، فكهذه مواضيع لا تخص أحد غير المعنيين لا يجب ان تعني لاحد شيء ولا اعتقد وجوب الحزن عليها فأنت في النهاية لعبة بين وسائل الاعلام الأصفر ولست مدعوا الى طاولة المصالحات بين الطرفين! 

  لا اذكر انني حزنت على طلاق أحد من قبل سواء كان مشهور ام لا، أما موت مشهور فقد تلاعبت بمشاعري شركة انتاج وفلم! كيف؟ 

هل شاهدت يوما أحد أفلام “fast and furious”؟ وهل تذكر ذلك الفتى الأشقر الذي يعمل كشرطي في الفلم؟ 

اذا كانت اجابتك نعم فبتأكيد ستعرف عن من اتحدث عنه “ بول ولكر” الذي توفي قبل ان ينتهي من تصوير الفلم بقليل، مما فتح اعين منتجين الفيلم على ضرورة الاستفادة من الموقف و ان لم يفعلوا ذلك ستخسر شركة الإنتاج الكثير من المال بسبب عدم الانتهاء منه، فقاموا بتأجيج مشاعر الحزن على وفاة الممثل الأمريكي وتعديل نهاية الفيلم لتتماشى من الحادثة و أخيرا الاغنية التي تجاوزت سقف المليار مشاهد على اليوتيوب، الامر الذي لعب بمشاعر الكثير تعاطفا مع “المرحوم” ،حتى انك لن تصدق ان البعض قد فتح له بيت عزاء في احدى الجامعات الأردنية.

على العموم، فكرة حزنك على حدث معين لا يعنيك هي اثبات بأنك ما زلت تملك مشاعر الإنسانية بداخلك، ولا تدع أحد مثلي يثنيك عن الحزن لشخص ما تابعت اعماله في يوم ما.

   عادةً لا أشعر بالحزن الشديد اتجاه الأشخاص الذين لا أعرفهم شخصيًا خاصة إذا لم يمروا بكم هائل من الألم أو الظلم. لكني شعرت بالحزن والشفقة اتجاه موت الممثل هيث ليدجر؛ الذي عرف في دوره في فيلم (The Dark Knight)، الذي قد حصل بسبب هذا الدور من بعد وفاته على جائزة أوسكار لأفضل ممثل. كان حزني في الحقيقة منبثق من سماعي لبعض الشائعات التي تزعم أن سبب موته يرجع إلى دوره في الفيلم، الذي دفعه إلى حالة من الاكتئاب وفقدان الهوية.

    لكن كما ذكرت سابقًا سبب موته الحقيقي لا يتعلق إطلاقًا بتفهمه لتصرفات الشخصية وضياع هويته بسببها؛ حتى أن هيث ليدجر قال في أحد مقابلاته: "اتفقت مع نفسي في النهاية على أنني سأقوم بتجسيد مريض نفسي، شخصًا يتمتع بأقل درجة من الضمير تجاه أفعاله، فهو مجرد مهرج معتل نفسيًا، ويقتل بدم بارد".

    عند تلقي هيث ليدجر دور الجوكر في فيلم (The Dark Knight) رغب في أن يتميز في هذا الدور عن غيره من الممثلين السابقين الذين مثلوا هذا الدور، فقام بحجز نفسه في غرفته الفندقية لستة أسابيع بهدف التدرب على هذا الدور وتجربة العديد من الأصوات ليجد المناسب منها لهذه الشخصية المريضة، وليصنع الضحكة المستهترة التي عرفناه بها.

     قام هيث بقراءة العديد من المجلات المصورة المتعلقة في هذه الشخصية وقام بقراءة أحد الروايات التي تشبه أحد شخصياتها شخصية الجوكر، واستمع للموسيقى المعدنية الثقيلة (heavy metal music) لكي يضع نفسه في موضع يستطيع فيه فهم الشخصية ليجعلها مميزة وواقعية، ومن هذه التجربة خرج لنا هيث بما كان يسميه بمذكرات الجوكر (Joker Diary)؛ الذي كان يدون فيها أهم ما توصل إليه وما يريد القيام به أثناء تمثيله للشخصية، ليتصفحها في موقع التصوير.

     كان هيث يعاني من مشكلة الأرق وصعوبات في النوم قبل أخذه لدور الجوكر حتى، وقد وصف له طبيبه مجموعة من الأدوية المنومة التي ستساعده على الحصول على النوم. رغبته الشديدة في تمثيل دور الجوكر بطريقة مميزة لا مثيل لها دفعت هيث إلى حدوده حقًا؛ فوضع على نفسه كم هائل من الضغط والتوتر الذي أثر سلبًا في جودة نومه، وجعلت مشكلة التفكير الزائد التي حرمته من النوم تصل إلى أقصى حدودها، إذ زعمت العديد من المصادر أن هيث كان يحصل على ساعتين فقط من النوم أثناء تمثيله لدور الجوكر.

    انتهى هيث بتمثيل دوره المتميز في الجوكر؛ ووصلت مبيعات الفيلم في 18 يومًا فقط إلى ما يزيد عن الـ 400 مليون دولار، ومن بعد انتهائه من فيلم (The Dark Knight) بدأ هيث التمثيل في فيلم (The Imaginarium of Doctor Parnassus)، الذي قام بإنهائه العديد من الممثلين مثل جوني ديب وَجود لو وَكولين فاريل بدلًا عنه. وافت المنية الممثل هيث ليدجر في عمر الـ 28 سنة فقط، وذلك بسبب أخذ لجرعة زائدة عن طريق الخطأ من الدواء المنوم الموصوف له  على أمل أن يحصل على بضع ساعات من النوم؛ فالشرطة لم تجد أي دليل على انتحاره أو تعرضه للقتل.

   تذكرني قصة الممثل هيث ليدجر بمقولة التي يتداولها الناس "ومن الحب ما قتل"، فقصته في الحقيقة كانت درسًا مهمًا بالنسبة لي؛ إن شعورنا بالشغف والحب إتجاه أمر ما لا يعتبر سببًا كافيًا لنرمي نفسنا في التهلكة من أجله. فالممثل هيث لم يتوقف للحظة لحل مشكلة الأرق التي تزايدت مع تمثيله لدور الجوكر، فقد تبع هيث موجة الشهرة والفرص العظيمة التي قدمت له بسبب دوره كالجوكر، وتجاهل وضعه المتدهور وضرب صحته الجسدية والنفسية في عرض الحائط، معتقدًا أن بعض العقاقير الموصوفة قد تصلح هذا الضرر الذي تفاقم بسببه.

   فتذكر دائمًا بغض النظر عن طموحاتك وأحلامك والفرص العديدة التي تعرض عليك أن نفسك وصحتك وسعادتك أولًا، المشاكل التي لا تحلها لن تحل وحدها أثناء عبورك في هذه الحياة. فدوره العظيم الذي يتذكره الجميع فيه حقق له الرضى والقناعة في داخله، لكنه جعله يموت كشخص لم يتجاوز عمر الثلاثين حتى، وحيد  في أحد الغرف الفندقية يحاول يائسًا إغماض عينيه ليحصل على بعض النوم، ليجد نفسه مغمضًا عينيه إلى الأبد.