هل سبق و عرفت فنانين تعرضوا للاعتقال بسبب فنونهم أو أفكارهم؟

1 إجابات
profile/ندى-ماهر-عبدربه
ندى ماهر عبدربه
Dental hygienist
.
٢٩ مارس ٢٠٢١
قبل ٤ سنوات
 لطالما عبر الفنّ عن الحرّيّة، وخرج من تفاصيله نور الحقيقة الّذي يسطع من صدر الفنّان، لكي يردّد صدى ظلاله في أرجاء العالم ويجعل من القلم أو الريشة أو تعابير شخصيّة مسرحيّة هويّة يعرف بها عن ذاته وعن رسالة الفنّ الّذي يحملها بداخله.

 لكن هل يمكن أن تتحوّل هذه الرسالة إلى برقيّة مكبّلة بسلاسل السجون؟ أو أنّ فكرة جسدها الفنّان على أرض الواقع ستجعله يغرق في غياب ظلام العبوديّة والأسر؟


لعلّ الجواب ببساطة سوف يتكلّل بالعديد من الشخصيّات الّتي دفعت مهر حروفها وتوّجت أفكارها بأصفاد الاعتقال الّذي قيّد أعناق الإبداع بروحها وجعلها تتربّع على عرش الزنازين المعتمة.

فيما يأتي سوف أعرض عليك أبرز الشخصيّات الّتي تعرّضت للاعتقال بسبب فنونهم وأفكارهم:


-محمود درويش

كان القلم بمثابة صوت الوطن المعلّق في فؤاد الكاتب محمود درويش، حيث كانت صرخات الغربة تعلو بين زاوية المنفى الّذي أصبح يغمر روح محمود درويش منذ احتلال وطنه، وتبعاً لكلماته وتصريحاته اعتقل من قبل السلطات الإسرائيليّة بشكل متكرّر، حيث كانت التهمة الموجّهة إليه تتعلّق بأفكاره ونصوصه الانتفاضة، لكن وعلى الرغم من قيود السجن وظلم الاعتقال، كانت الفترة الزمنيّة الّتي قضاها محمود درويش في سجن بمثابة سلاسل تزيّن أساور أشعاره. حيث إنّه خلال هذه الفترة استطاع تأليف العديد من القصائد الّتي تحمل وسم الحرّيّة بكلّ شفّافيّة فتخبّئ بين طيّاتها مشاعر الحنين والآلام الّتي جسّدها في أبرز قصائده (أحنّ إلى خبز أمّي) الّتي غنّاها الفنّان مارسيل خليفة ونقش حروفها في قلوبنا، أمّا قصيدة السجين والقمر فكانت صورة تعكس رؤيته الّتي قيّدت بين جدران السجن، وظلّ ضوء القمر يلوح في أفق السجين الّذي دفع مهر حروفه، والتفت حول كلماته سلاسل الظلم، حيث عبر محمود درويش بهذه القصيدة عن سبب اعتقاله الّذي يتجسّد بدفاعه عن وطنه وقال:


"في آخر الليل التقينا تحت قنطرة الجبال منذ اعتقلت، وأنت أدرى بالسبب الآن أغنية تدافع عن عبير البرتقال وعن التحدّي والغضب دفنوا قرنفلة المغنّي في الرمال؟

علم أن نحن، على تماثيل الغيوم الفستقيّة بالحبّ محكومان، باللون المغنّي؟

كلّ الليالي السود تسقط في أغانينا ضحيّة والضوء يشرب ليل أحزاني وسجني فتعال، ما زالت لقصّتنا بقيّة! "


من وجهة نظري كان السجن بالنسبة لمحمود درويش هو القفص الّذي قيّد جسده، لكنّه لم يستطع أن يوقف رفرفة أجنحة أفكاره الّتي جسدت بأعظم القصائد الّتي كانت وما زالت تدافع عن عبير البرتقال، وتحيّي قرنفلة المغنّي بعد دفنها في الرمال.


-محمّد الماغوط

عرف محمّد الماغوط بشعره ومؤلّفاته المسرحيّة العظيمة، لكنّ ضريبة أفكاره جعلته أسير قضبان السجن وتائهاً بين متاهات الرعب الّتي صوّرها من خلال كتاباته الّذي ظلّ طوال حياته يعبّر بها عن الحرّيّة. خلف أسوار السجن بدأت مسيرة محمّد الماغوط الأدبيّة بشكل حقيقيّ حيث أنّه استطاع بناء أساس لأفكاره الأدبيّة و يولجه بالمشاعر الّتي خيّمت على فضاء سمائه المحتجزة خلف قضبان الزنزانة حيث عبّر عن هذه التجربة وقال:


"فقدت حسّي بالبراءة منذ تلك الفترة، وأدركت أنّ العالم ليس بريئاً كما كنت أتصوّر، كنت أرى البراءة في كلّ شيء حولي، ولكن بعد تجربة السجن فقدت هذا الإحساس بكلّ شيء، بالبشر والأحزاب والسياسيّين ورجال الشرطة والشعراء".


من وجهة نظري كان الماغوط يرى السجن مدرسة حديديّة تجلّد جسده بسوط الظلم، وتعلّمه دروس الخوف مع كلّ ضربة حذاء عسكريّ يمرّ بالقرب من زنزانته المظلمة بينما تاهت أفكاره وحفظت نشيد الصراخ لتلقّيه على مسامع القدر. الكلمات الّتي وصفت تفاصيل سجن محمّد الماغوط تتلخّص بهذه الأحرف حيث إنّه قال وصفاً تجربته: "أنام، ولا شيء غير جلديّ على الفراش، جمجمتي في السجون قدماي في الأزقّة، يداي في الأعشاش، كسمكة سانتياغو الضخمة، لم يبق منّي غير الأضلاع وتجاويف العيون".


لعلّ السجن هو السبيل نحو الإبداع الّذي يخلق عبر حرّيّة الأرواح الّتي اتّخذت من جماح بركان الظلال غيثاً أطفأ نيران الأسر وأخرج نخبة من الفنّانين الأدباء المفكّرين الّذين اقتادت خطوات أجسادهم نحو زنازين السجون، لكنّها تركت ورائها أفكاراً تسمع الغيب أناشيد الأبديّة.