نعم / فقد خلق الله تعالى هذا الكون وما فيه من شمس وقمر وأرض وسماء ونجوم وكواكب وأنهار وبحار ومحيطات وجبال وليل ونهار كل ذلك من أجل هذا الإنسان حتى يعيش فيه ويؤدي خلافته في الأرض على أكمل وجه .
- وكان خلق السموات والأرض قبل خلق الإنسان ، ولكنه قدّر مقادير الخلائق قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة !!
- فعن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنه - قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة ، وكان عرشه على الماء " أخرجه مسلم .
- قال الله تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ *وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ۚ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) سورة إبراهيم (32-34)
- ومن أهم الحكم في خلق السموات والأرض ما يلي :
1- التسخير للإنسان: فالسماء وما فيها من ( شمس وقمر ونجوم وهواء ومطر وسحاب) والأرض وما عليها من (أنهار وبحار وجبال ونبات وأشجار وحيوان وطيور ) كل ذلك من أجل الإنسان - وحتى يقوم بهمته وخلافته لله تعالى في أرضه .
2- إن عظمة المخلوق تدل على عظمة الخالق ، فلولا وجود السموات والأرض كيف نستدل على وجود الخالق سبحانه وتعالى .
- قال الله تعالى: (وَٱلشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَـا ذَلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ * وَٱلْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ كَٱلعُرجُونِ ٱلْقَدِيمِ * لاَ ٱلشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَآ أَن تدْرِكَ ٱلقَمَرَ وَلاَ ٱلْلَّيْلُ سَابِقُ ٱلنَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) [يس: 38-40]. فهذا الكون وما فيه من عوالم وكواكب ومجرات منضبط ويسير وفق نظام دقيق لأنه نظام إلهي ، بعكس المخلوق الإنسان الذي يتبدل ويتغير بين فترة وأخرى .
3-من أجل الاختبار والامتحان بأن الله تعالى قد يسر لنا كل شيء من خلال خلقه للسموات والأرض فهل نحسن العمل ونتقنه ونستخرج ما في هذه الأرض ونستفيد منه وننتفع به ، قال الله تعالى : ( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) سورة الملك:2 .
4- حتى تتحقق عبادة شكر النعمة فالنعم التي أنعمها الله تعالى علينا سواء في السماء او الأرض كثيرة جداً ، ويجب علينا شكر هذه النعم باستخدامها وفق منهج الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم .
5- ليعرف الإنسان قيمته وحجمه الحقيقي مقابل مخلوقات الله العظيمة في السموات والأرض ، فلا يتكبر ولا يظلم ولا يفسد في الأرض .
6- ليتفكر الإنسان ويطلق العنان لفكره في البحث العلمي في موجودات السموات والأرض كعلم الفلك والفضاء وعلم البحار والمحيطات ، وعلم الصخور والبراكين والزلازل، وعلم النبات والحيوان وغيرها من العلوم الكثيرة .
7- لزيادة إيمان العبد من خلال التفكير في خلق السموات والأرض .
- والله عز وجل خلق هذا الإنسان لغاية سامية وهي عبادة الله تعالى ،الاستخلاف في الأرض ، والأدلة على ذلك :
1- قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) [الذاريات: 56] .
2- وقوله تعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ) [المؤمنون: 115].
3- وقوله تعالى: (أَيَحْسَبُ الْإنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً ) [القيامة: 36] .
4- وقوله تعالى: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) سورة البقرة (30)
- ولتحقيق هذه الغاية ينبغي للمسلم أن يقوم بما يلي :
1- أن يعي مفهوم العبادة فالعبادة : هي أسم جامع لكل ما يحبه الله تعالى من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة .
- وهي قسمان :
-عبادة مخصوصة : وهي التي تؤدى في أوقات وأزمان مؤقته وتشمل أركان الإسلام ( الصلاة والصيام والزكاة والحج )
- عبادة غير مخصوصة : وهي سائر النوافل والمستحبات من أعمال الخير والبر والصدقة وصلة الرحم وغيرها .
2- ولتحقيق الغاية كذلك يتمثل في الاستخلاف الحقيقي في الأرض وإقامة شرع الله تعالى فيها وتنفيذ جميع أوامر الله تعالى واجتناب جميع نواهيه .
3- والعبادة حق من حقوق الله تعالى على عباده ففي الحديث عن معاذ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: أتدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله؟ فقال معاذ: قلت: الله ورسوله أعلم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا ) متفق عليه
- وعليه : فإن غاية خلق الإنسان تتمثل في العبادة والإستخلاف ، فيجب عليه أن لا ينشغل بالدنيا وينسى ما كلفه الله تعالى من عبادته وإستخلافه في الأرض .
- ولتحقيق العبادة والإستخلاف فعلى المسلم أن يستغل كل لحظة في حياته في عمارة هذه الأرض وتحقيق عبودية الله تعالى المتمثلة بالربوبية والألوهية ، وهذا يدعونا نحن المسلمين أن نوازن بين الدنيا والآخرة - بحيث لا يطغى جانب على آخر - فلا يجوز العمل للدنيا وترك الآخرة ، كما لا يجوز العمل للآخرة فقط وترك الدنيا ، ولهذا نجد أن القرآن الكريم يؤكد على هذه الحقيقة في قوله تعالى : ( وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ) سورة القصص (77)