جارنا عمو "أبو حمزة" هو رجل عسكري برتبة عميد، وقد تقاعد قبل حوالي 10 سنوات، يهابه سكان العمارة ويحبونه في نفس الوقت، فعندما كنت أتمرن على قيادة السيارة كنت لا أتقن الرجوع إلى الخلف - حتى الآن لا أتقنه طبعاً :)، لكني تحسنت قليلاً- وكان عندما يراقبني من شرفة منزله وأنا أحاول الاصطفاف يصرخ علي ويعطيني التعليمات فيزداد توتري وأعجز تماماً عن القيادة!
عمو أبو حمزة يسخر منا نحن وأولاده عندما كنا نتطلب الكثير من الأمور أيام التوجيهي، وكان يقول لنا في كل مرة نطلب فيها دروس خصوصية أو وجبة طعام من مطعم ما أو نتدلل بأي شكل من الأشكال خلال الدراسة بأنه كان يدرس على ضوء شمعة، وأحياناً كان يدرس على نور عامود الكهرباء في الحي! أظن أننا جميعاً سمعنا هذا من أهلنا، فكلهم كانوا يقولون لنا نفس الكلام، كما كان معظمهم يدعي أنه كان الأول على صفه!
ليس هذا هو المهم... فعمو أبو حمزة كان يحدثنا عن بطولاته وأنه تعلم ذاتياً، واعتمد على نفسه منذ أن كان طفلاً صغيراً، وكان يعاني لأنه كان عليه أن يعمل وأن يدرس في نفس الوقت، وما زاد معاناته أنه كان يعيش في قرية في المفرق وكان يدرس في الجامعة الأردنية التي كانت تبعد كثيراً عن المحافظة، ولكنه اجتهد وأنهى دراسته حتى وصل إلى ما وصل إليه الآن.
كما أن زوج عمتي وهو طبيب أطفال معروف في منطقة جنوب عمان، ويعالج الكثير من الأطفال بالمجان تعلم ذاتياً أيضاً، فكان يبيع الحلويات على باب منزله ليتمكن من تجميع مصاريف سفره ودراسته الطب في رومانيا قبل ما يزيد عن 40 عاماً، كما أنه ما يزال يشجع أبناءه وأحفاده على العمل لتجميع المال لشراء احتياجاته الخاصة ليشعروا بقيمة المال، وليفتخروا بما صنعوا يوماً ما.
أولئك الأشخاص الذين تعلموا ذاتياً لا بد أنهم لم يخلقوا وفي أفواههم ملاعق ذهبية، فالظروف كانت قاسية عليهم، ولكنها صقلتهم وتغلبوا عليها وأصروا عل التسلح بالسلاح الأقوى وهو التعليم.