عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ ) ( رواه الترمذي وحسنه بعض العلماء ) .
فاليقين بالإجابة أثناء الدعاء من آداب الدعاء وشروط الإستجابة فيه ، أما صفته فهو في أصله : عمل قلبي باطني يثمر ولا بد أعمالا ظاهرة على الجوارح .
ومعنى ذلك : أن أصل اليقين يبدأ من قلب الإنسان بأن يكون أثناء دعائه مطمئنا أنه يدعو الملك سبحانه الذي بيده خزائن السماوت والأرض ، يده سحاء تنفق آناء الليل وأطراف النهار ، لا يغيض خزائنه العطاء ولا ينقص مما عنده الإنفاق ، غني كريم جواد سبحانه جل في علاه .
ثم هو مطمئن أنه يدعو القدير القادر المدبر مالك الملك ( تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير ).
ثم هو مطمئن أن سبحانه قريب مجيب سميع الدعاء يحب دعاء الداعين ( وإذا سالك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون )
فهذه الاعتقادات متى وقرت في قلب العبد صرفته عن التوجه إلى غير الله وجمعت قلبه على الطلب من الله وحده .
ثم هذا اليقين القلبي يثمر عند العبد أمورا على ظاهره منها :
- استغناؤه عن الناس وترفعه عن دنياهم وأسبابهم واعتماده على المسبب المدبر سبحانه
- إلحاحه في الدعاء وعدم استعجاله الإجابة ، وإدامته طرق باب الكريم سبحانه .
- مراجعته نفسه للنظر في الأسباب التي قد تحول دون استجابة دعائه أو تأخر الاستجابة ، لأنه على يقين من ربه ولكنه يسيء الظن بنفسه فيعلم أن الخلل منها وأنه إنما يؤتى من قبلها فقط .
لذلك كان العلماء يفسرون الحديث السابق بوجهين أحدهما مكمل للآخر في الحقيقة .
قال صحاب كتاب تحفة الأحوذي شرح الترمذي :
" قوله: (وأنتم موقنون بالإجابة) أي والحال أنكم موقنون بها، أي كونوا عند الدعاء على حالة تستحقون بها الإجابة، من إتيان المعروف واجتناب المنكر، ورعاية شروط الدعاء، كحضور القلب وترصد الأزمنة الشريفة والأمكنة المنيفة ، واغتنام الأحوال اللطيفة ، كالسجود ، إلى غير ذلك، حتى تكون الإجابة على قلوبكم أغلب من الرد.
أو أراد: وأنتم معتقدون أن الله لا يُخَيِّبكم؛ لسعة كرمه وكمال قدرته وإحاطة علمه، لتحقق صدق الرجاء ، وخلوص الدعاء؛ لأن الداعي ما لم يكن رجاؤه واثقا لم يكن دعاؤه صادقا"
فمن اليقين في الدعاء إحسان الظن بالله والرجوع بالتقصير على النفس.
ولكن أنبه في الختام أن إجابة الدعوة ليس من شرطها أن يكون بإعطاء الله لعبده ما ساله مباشرة بل كما جاء في الحديث ( ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث، إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها.)
والله أعلم