يبدو أن تردد الذكريات السيئة في رؤوسنا لا ينتهي أحيانًا. وكأنه من المستحيل أخراج هذه الأفكار والتخلص من الحزن الذي تسببه بشكلٍ أو بآخر. بالتأكيد سبق وأن فكرت بكيفية وطريقة للتخلص من هذه الذكريات، ربما حاولت أن تزعجها وتتجاهلها كلما أتت مارّة في رأسك. وغالبًا تجد أن محاولاتك العديدة لا تنجح، وتتساءل دائمًا إن كانت إمكانيتنا في محو الذكريات السيئة ممكنة وحقيقية أم أنها فقط أمنياتٌ واهية.
رغم أن هذه الذكريات إن كانت جميلة أو مؤلمة، إلا أنها قادرة على أن تعلمنا منها. فإن كنت قد أخطأت يومًا، هذه الذكريات تحذرك من تكرار ذاك الخطأ الذي ارتكبته سابقًا، وتخبرك أنك يومًا تصرفت بهذا الشكل وكانت هذه هي النتيجة. إن ألم الذكريات الحزينة ليس سيئًا دائمًا، فكما ترى أنك يمكنك أن تصبح شخصًا أفضل من خلالها.
دعني أخبرك بدايًة القليل عن كيف تتكون الذكريات وكيف تجيء كل حين إلى رأسنا.
يبدأ العقل بصنع بعض العمليات الكيميائية والتي بدورها تقوم بتحفيز نمو بعض الخلايا الدماغية وتكوين توصيلات بينها. فكلما أمعنت التفكير في ذكرى أو أي حدث مرتبط بهذه الذكرى فإنك تقوم بذلك على تقوية هذه التوصيلات. وبذلك فكأنك تحفظ هذه الذكريات لوقت أطول في ذاكرتك كلما استحضرتها من وقت لآخر.
فمثلًا عند مرورك بتجربة حزينة، يقوم الدماغ بتخزين هذه التجربة مع جميع مشاعرها كآلية دفاع. فعندما تعود لك هذه الذكريات فإن درجة الحزن تختلف في كل مرة حتى تصبح الأمور المرتبطة بهذه الذكرى هي دائمًا مسببة للحزن.
أما كيف نتذكر الذكريات، فالأمر مرتبط بأحداث حياتك وطريقتك الخاصة في ربط الأمور. فإن مررت بأي تجربة أو شعور مرتبط بتلك التجربة فإنك بذلك تسترجعها وتستثيرها لتعود وتظهر في عقلك.
أما في ما يخص رغبتنا بالتلاعب بالذكريات، فكان للعلماء عدة طرق لفعل ذلك. واحدة من هذه الأمور هي ما يسمى بعلاج "التعرض للمثير". ففي تجربة ما، قام الدارسين بها على مجموعة من الأشخاص الذين يعانون من رهاب العناكب. وقاموا بعرض عدة صور لهم على مدار أيام. في اليوم الأول أظهروا خوفًا متوقعًا، في اليوم الثاني استطاعوا النظر إلى الصور لمدة أطول. أما في المرة الثالثة فقد لاحظ العلماء تغيير واضح في نشاط منطقة اللوزة الدماغية المسؤولة عن المشاعر. بهذا استطاع الدارسون تكوين ذكرى جديدة لدى هؤلاء المصابين بحيث لم يعودوا يشعرون بنفس الخوف السابق.
لربما يمكن تطبيق ما سبق على أمورنا وذكرياتنا المزعجة. ما رأيك؟