المعلوم بنص القران أن فتية الكهف لبثوا في كهفهم بعد أن ضرب النوم عليهم مدة ثلاثمائة سنة بالعد الميلادي الشمسي ، وثلاثمائة وتسعة بالعد القمري ، أما ماذا حصل لأجسادهم خلال هذه الفترة وهل تغيرت أجسادهم وأشكالهم بمرور السنين ، أم أنها بقيت على حالها دون تغيير لما كانوا عليه قبل نومهم ، فهذا السؤال ليس له جواب قطعي ظاهر ، لأن آيات السورة تحتمل الأمرين ، وبكل قول قال جماعة من المفسرين .
لكن قد يكون الأقرب والأرجح أن أهل الكهف بقوا خلال فترة نومهم الطويلة على حالهم ولم يحصل تغيير كبير ملحوظ على أشكالهم عند استيقاظهم ، والله أعلم .
وسبب الاختلاف في جواب هذا السؤال الاختلاف في دلالة آيتين :
الأولى : قوله تعالى " وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ ۚ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ۖ وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ ۚ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18)".
فما هو سبب الرعب الذي يجده الناظر إليهم ؟ بعض المفسرين قال أن السبب هو تغير أشكالهم وطول شعورهم واظفارهم بسبب مرور الزمن عليهم ، وبعضهم قال أن السبب هو مهابة ألقاها الله عليهم لئلا يؤذيهم أحد وكذلك نومهم وأعينهم مفتحة مما يلقي الرعب ولا شك .
الآية الثانية : " وَكَذَٰلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ ۚ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ ۖ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ۚ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَٰذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَىٰ طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا (19) ".
قال بعض المفسرين :لو كانت أشكالهم تغيرت بمرور الزمن للاحظوا ذلك عند استيقاظهم ولم يترددوا في مدة لبثهم ونومهم حتى قالوا يوما أو بعض يوم .
ولكن قال مفسرون آخرون أن ذلك عائد إلى ظلمة الليل التي جعلتهم لا يلاحظون أشكالهم بدقة .
ولكن قلنا أن القول أن عدم تغير أشكالهم هو الأقوى والله أعلم ، لأن الآية الثانية دالة بشكل ظاهر أنهم لم ينكروا شيئا من حالهم عند استيقاظهم ، والاعتذار أنهم لم يلاحظوا لظلمة الليل بعيد وضعيف ، ثم إن القصة مبنية على الإعجاز و الإعجاز بذلك أظهر وأقوى .
قال العلامة الألوسي في تفسيره روح المعاني : " فالذي ينبغي أن يعول عليه أن السبب في ذلك ما ألقى الله تعالى عليهم من الهيبة وهم في كهفهم ، وأن شعورهم وأظفارهم إن كانت قد طالت فهي لم تطل إلى حد ينكره من يراه، واختار بعض المفسرين أن الله تعالى لم يغير حالهم وهيئتهم أصلا ليكون ذلك آية بينة " .
والله أعلم