(Post-Impressionism) او كما تعرف باللغة العربية بالحركة (ما بعد الانطباعية)، عند التحدث عن هذا الموضوع يخطر ببالنا للوهلة الأولى مجموعة من اللوحات التي جسدت الطبيعة بصورة غير مألوفة، حقول القمح و السماء المرصعة بالنجوم لفان غوخ، ولاعبو الورق لبول سيزان وغيرها من اللوحات الفريدة التي تطرح عليك سؤالاً خفياً: من يقلد من، الفن أم الطبيعة؟
لكي نتطرق لإجابة هذا السؤال يجب ان نضع في اعتبارنا ان الفن هو مرآة للروح يعكس ما تراه أعيننا، وما يدور داخل عالمنا الداخلي فالكل انسان رؤيته، و تحليله للأشياء حوله مما يجعله قادراً على نقل ما يدور بداخله، وتجسيده بواسطة الفن، لذلك من الممكن ان نعتبر أن عقلنا هو من يبتكر الطبيعة و الفن يعمل على تصويرها وتؤيلها كما يقول نتيشة “لا وجود للواقع بل هناك تأويلات”، ومن هذا المنطلق بإستطاعتنا ان نقول بأن هذه الحركة الفنية تأسست لتعلن بدء المرحلة الإنتقالية وتطور أسلوب الفنانين الذين ينتمون الى المدرسة الانطباعية وانتقالهم لمرحلة تمتاز بإظهار الصورة بجميع تفاصيلها، وأشكالها الهندسية، والوانها الغير مألوفة.
ولعل من أبرز الفنانين الذين أسسوا هذا النوع من المدارس الفنية هما :فان غوخ وأبرز لوحاته التي تنتمي الى ما بعد الانطباعية (غرفة نوم في آرل)، و بول سيزن في لوحته (لاعبوا الورق) ، حيث استطاعا تصوير الواقع بصورة مختلفة و الوان متعددة غير مألوفة.
ولعل كان سبب اعجابي بالمدرسة ما بعد الانطباعية حين رأيت لوحة لفان غوخ التي جسد فيها غرفة نومه في آرل كما تراها عيناه ويصورها عقله، لعل محبته للفن الياباني جعلته يجسد غرفته كما يراها من نافذة خياله، حيث تمتاز هذه اللوحة بألوانها واختفاء الظلال من حول الاشياء فيها، حيث وضح فان غوخ انه اراد من هذه اللوحة التعبير عن الهدوء وابراز بساطة غرفته من خلال رمزية الألوان وبساطة التكوين، حيث انه تمكن من خلال هذه اللوحة ابراز حركة ما بعد الانطباعية بحذافيرها وتحقيق تجريد معين من خلال تركيبة منسجمة بين الخطوط والالوان الصارمة التي اخفت عدم استقرار المنظور.
ان حركة ما بعد الانطباعية بالنسبة لي، من اكثر المدارس الفنية التي يجذبني اسلوب فنانيها و قدرتهم على الانتقال من الواقع وربطهم اياه مع الخيال و اللامألوف من الألوان و حركة الفرشاة و حدة الخطوط، مما يجعلها الأساس التي بنيت عليه باقي المدارس المعروفة ولعل ابرزها المدرسة التكعيبية التي نقلت الفن الى منحنى تجريدي مختلف.