كل فعل مباح يفعله العبد يمكن أن يحوله إلى طاعة وقربة إلى الله تعالى إذا احتسب فيه نية الاستعانة بهذا الفعل على طاعة الله ، وقام بآداب هذه العبادة الشرعية .
روى الإمام البخاري في صحيحه عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : بَعَثَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أبَا مُوسَى ومُعَاذًا إلى اليَمَنِ، فَقالَ: يَسِّرَا ولَا تُعَسِّرَا، وبَشِّرَا ولَا تُنَفِّرَا وتَطَاوَعَا، فَقالَ أبو مُوسَى: يا نَبِيَّ اللَّهِ إنَّ أرْضَنَا بهَا شَرَابٌ مِنَ الشَّعِيرِ المِزْرُ، وشَرَابٌ مِنَ العَسَلِ البِتْعُ، فَقالَ: كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ. فَانْطَلَقَا، فَقالَ مُعَاذٌ لأبِي مُوسَى: كيفَ تَقْرَأُ القُرْآنَ؟ قالَ: قَائِمًا وقَاعِدًا وعلَى رَاحِلَتِي، وأَتَفَوَّقُهُ تَفَوُّقًا، قالَ: أمَّا أنَا فأنَامُ وأَقُومُ، فأحْتَسِبُ نَوْمَتي كما أحْتَسِبُ قَوْمَتِي) .
وفي رواية أخرى ( قالَ: فَكيفَ تَقْرَأُ أنْتَ يا مُعَاذُ؟ قالَ: أنَامُ أوَّلَ اللَّيْلِ، فأقُومُ وقدْ قَضَيْتُ جُزْئِي مِنَ النَّوْمِ، فأقْرَأُ ما كَتَبَ اللَّهُ لِي، فأحْتَسِبُ نَوْمَتي كما أحْتَسِبُ قَوْمَتِي.)
فمعاذ بن جبل رضي الله عنه كان يحتسب أجرا في نومه كما يحتسب أجرا في قيامه ، لأنه نوى بهذا النوم فعلا التقوي على طاعة الله .
قال ابن حجر رحمه الله : " ومعناه أنه يطلب الثواب في الراحة كما يطلبه في التعب ؛ لأن الراحة إذا قصد بها الإعانة على العبادة حصلت الثواب "
وفي الحديث الآخر المتفق عليه أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( إِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ عَلَيْهَا حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فَمِ امْرَأَتِكَ ).
فمن أطعم زوجته وأولاده ونوى بذلك وجه الله والأجر كان كأجر صدقة .
وفي الحديث الآخر عند مسلم رحمه الله أن النبي عليه الصلاة والسلام قال ( ..
وفي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، قالوا: يا رَسولَ اللهِ، أَيَأتي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكونُ له فِيهَا أَجْرٌ؟ قالَ: أَرَأَيْتُمْ لو وَضَعَهَا في حَرَامٍ أَكانَ عليه فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذلكَ إذَا وَضَعَهَا في الحَلَالِ كانَ له أَجْرٌ ) .
فحتى إتيان الإنسان زوجته إذا نوى بذلك إعفاف نفسه وزوجته عن الحرام كتب له به أجر .
وهكذا كل الأفعال المباحة من الأكل والشرب والنوم والخروج للنزه إذا نوى بذلك الاستعانة بها على طاعة الله وتجديد الهمة وطرد السآم عنه وتقوية بدنه فكل هذه النيات تحول أعماله تلك من مباحات إلى قربات إلى الله .
وإذا جمع مع تلك النية فعل الآداب الشرعية لتلك الأعمال كالنوم على طهارة وأذكار النوم والتسمية عند الأكل والحمد بعده والشرب قاعدا وغير ذلك من السنن المعروفة والمذكورة في مواضعها ، فإن فاعلها يزداد أجرا على أجر .
والله أعلم