متى يبلغ العبد مقام الرضا والقبول في علاقته مع خالقه؟

1 إجابات
profile/دمحمد-الطويل-1
د.محمد الطويل
الفقه وأصوله
.
٠٨ أبريل ٢٠٢١
قبل ٤ سنوات
يبلغه لما يستوي رضاه عن ربه في جميع أحواله وأقداره: رخاء وشدة، عسرًا ويسرًا، عطاءً ومنعًا، صحة ومرضًا، فقرًا وغنى، فهو في جميع أحواله مطمئن النفس هادئ البال قرير العين، يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.

وعليه أن يجمع مع رضاه عن خالقه في التدبير، رضاه عنه وإقراره له في الأمر والتشريع، فهو راضٍ بجميع أوامره، منشرح الصدر لها، قائم بها بقدر استطاعته، لا يجد في صدره أي حرج من التزام شرع الله وأمره.

قال سبحانه وتعالى (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ)، سورة الأعراف، الآية (54).

فالنوع الأول من الرضا هو رضا عن الله في ربوبيته بوصفه الرب المدبر الخالق، قدر مقادير هذا الكون قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، رفعت الأقلام وجفت الصحف.

وهذا النوع من الرضا دل عليه قوله تعالى في سورة الحديد:
(مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22).

فهذه الآية واضحة الدلالة أن كل ما في الكون من أقدا؛ر المصائب أو النعم، إنما هي قدره الله قبل خلق السماوات والأرض، ثم بين سبحانه أن من وقرت في قلبه هذه الحقيقة، أورثه ذلك الرضا عن الله تعالى في جميع أحواله فقال سبحانه:

(
لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (23).

فمن علم أن ما أصابه من بلاء إنما هو بقدر الله وحده، صبر واحتسب وتجلد، ومن علم أن ما أصابه من نعمة إنما هو أيضاً بقدر الله وحده، شكر وخضع ولم يبطر ويتكبر على خلق الله.

لذلك قال ابن القيم في تعريف هذا النوع من الرضا: " هو تَرك الخِلاف على الربِّ في ما يجريه على العبد"

وليس معنى الرضا عن البلاء ألا يحزن العبد أو يشعر بالألم أو يبكي على موت حبيبه مثلاً، فهذا خلاف الفطرة البشرية، وسيد المرسلين صلى الله عليه وسلم،بكى وحزن على موت أحبابه كما حصل عند موت حمزةرضي الله عنه، وموت بناته، وموت زيد بن حارثة رضي الله عنه، وموت ابنه إبراهيم، ولكن الرضا هو استشعار حلاوة الأجر مع مرارة المصيبة.

وبعض العلماء - كابن تيمية رحمه الله - يعدّ أن مقام الرضا أعلى من مقام الصبر، وأنه مستحب وليس بواجب، ويفرق بين مقام الصبر والرضا ويقول:

"إن العبد قد يصبر فيحبس لسانه عن التسخط والاعتراض على قضاء الله وقدره، وهذا أقل ما يجب على العبد؛ ولكنه في داخله حزين غير مطمئن، لا يستشعر حلاوة الأجر، ولا يشهد الخير في هذا البلاء".

أما الرضا فهو مع صبره راضٍ قرير العين يشهد تدبير الله ولطفه وإرادته سبحانه.

قال ابن القيم في ثمرة هذا الرضا: "رِضاه عن ربِّه سبحانه وتعالى في جميع الحالات يُثمر رِضا ربِّه عنه؛ فإذا رَضِي عنه بالقليل من الرِّزق، رضي ربُّه عنه بالقليلِ من العمَل.."
 
أما النوع الثاني من الرضا فهو الرضا عن الله في ألوهيته، وهو استحقاقه سبحانه للعبادة والخضوع والانقياد، ويوضحه قوله تعالى في سورة النساء:(فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)
 
فإيمان العبد مربوط بانشراح صدره وقلبه بشرع الله وأمره، فمن وجد في نفسه حرجًا وضيقًا من أمر الله فلم يكمل إيمانه، وهذا تجده للأسف كثيرًا في رجال المسلمين ونسائهم، لمّا توضح لهم الحكم الشرعي في أمر معين؛ كحرمة البنوك الربوية والاقتراض منها، ووجوب الحجاب على المسلمة، يقول لك لم أقتنع.

وهذا النوع من الرضا واجب وهو شرط في صحة الإيمان، فلا يتم إيمانه الواجب إلا به.

والله أعلم

  • مستخدم مجهول
قام 1 شخص بتأييد الإجابة