ماذا يستفاد من دعاء النبي صلى الله عليهم وسلم لقبيلة ثقيف

2 إجابات
profile/دمحمد-الطويل-1
د.محمد الطويل
الفقه وأصوله
.
٠٧ أبريل ٢٠٢١
قبل ٤ سنوات
دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لقبيلة ثقيف خاصة وقع في السنة الثامنة للهجرة، حيث كانت ثقيف قد شاركت في غزوة حنين مع قبيلة هوازن ضد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد انتصار الرسول عليه الصلاة والسلام وصحابته في الغزوة وهروب المشركين وتشتت جمعهم، لجأت ثقيف إلى حصونها في مدينة الطائف وأغلقت أبواب الحصن عليها.

فحاصرهم النبي عليه الصلاة والسلام ومن معه من المسلمين وحدثت مناوشات بن الفريقين، واستعصى الحصن على المسلمين لقوته ومناعته، وأصيب منهم نفر  من المسلمين في أثناء الحصار، فاستشهد بعضهم وجرح بعضهم، وأراد رسول الله الانصراف عن الحصن، فأصر المسلمون على فتحه، فلما اشتد عليهم الأمر رضوا بالانصراف، وفي أثناء ذلك جاؤوا إلى رسول الله وطلبوا منه أن يدعو على قبيلة ثقيف بالهلكة والهزيمة، لكن النبي عليه الصلاة والسلام رفع يديه وقال:
" اللهم اهد ثقيفًا اللهم اهد ثقيفًا وائتِ بهم "رواه البحاري.

وفي رواية الإمام الترمذي في سننه عن جَابِرٍ قَالَ:  قَالُوا- يعني الصحابة - يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْرَقَتْنَا نِبَالُ ثَقِيفٍ  - يعني آذتنا وأضرت بنا-  فَادْعُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ، قَالَ عليه السلام : "اللَّهُمَّ اهْدِ ثَقِيفًا" .

واستجاب الله دعاء رسول الله، فلم تلبث ثقيف حتى رأت أنه لا فائدة من البقاء على الكفر، وقد أسلمت العرب ودانت الجزيرة للرسول صلى الله عليه وسلم، فجاؤوا مسلمين مذعنين فأسلموا ثم حسن إسلامهم. وكان من بركة هذا الدعاء لهم أيضًا أنهم لما حصلت حرب الردة، لم يرتدوا مع من ارتد من العرب، بل وقف سيدهم وقال: كنتم آخر العرب إسلامًا فلا تكونوا أولهم ردةً، فثبتوا حتى نصر الله أبا بكر على جموع المرتدين.

أما ماذا يستفاد من دعاء النبي عليه الصلاة والسلام لثقيف بالهداية، ففي هذا أمور منها :

1. رِفقُه عليه الصلاة والسلام بأمته وشفقته عليهم، فلم يكن دافعه الانتقام أو البحث عن نصر شخصي، بل كان همه هداية الناس وإنقاذهم من النار، بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام .

قال تعالى (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ). سورة التوبة الآية ( 128).

وكذلك يجب أن يكون المسلم مشعل هداية ومصباح نور، غايته إخراج العباد من ظلمات الكفر والشرك إلى نور التوحيد والإسلام.

2. أن الغاية الحقيقية للجهاد في الإسلام هي هداية الناس وليس قتلهم، وإنْ كانت هذه الهداية تحت الخوف ابتداءً كما جرى لثقيف؛ لأن من ذاق حلاوة الإيمان لن يتركه إلا أن يشاء الله، وقد جاء في الحديث (عَجِبَ اللَّهُ مِنْ قَوْمٍ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ فِي السَّلاَسِلِ) رواه البخاري.

3. جواز الدعاء للكافر بالهداية، مع ملاحظة أن الدعاء من النبي ليس كالدعاء من أي أحد؛ لأن دعاء النبي مستجاب، فدعاؤه على الكفار يكون فيه هلكة لهم، والله يعلم أنه سيكون منهم مسلمون؛ لذلك كان غالب دعاء النبي للكفار هو بالهداية.

ولكن هذا لا يعني أنه لا يجوز الدعاء على الكافر باللعنة والهلاك والبوار والعذاب وأن ينتقم الله منه، فقد دعا النبي على أحياء من العرب الذين قتلوا وفد القرّاء الذين أرسلهم لتعليم الناس عند بئر معونة وعددهم 40 صحابيًّا ، فقنت عليهم رسول الله شهرًا. وقد دعا عليه الصلاة والسلام  على صناديد قريش لما اشتد أذاهم في مكة، فاستجاب الله دعاءه وقتلوا في بدر.

والأمر يقدر بحسب حال الكافر وشدة أذاه وحربه وعداوته ورجاء هدايته، وأثر هذا الدعاء في الناس بألا يكون فيه تلبيس للحق بالباطل ، فقد يكون الدعاء للكافر بالهداية في موقف معين أفضل وأولى خاصة إذا رجي إسلامه حقًا، وكان فيه تأليف لقلبه، وقد يكون الدعاء عليه في موقف آخر هو الصحيح خاصة لما يقع منه أذى على المسلمين.

والله أعلم


profile/د-محمد-ابراهيم-ابو-مسامح
د. محمد ابراهيم ابو مسامح
ماجستير في التربية والدراسات الاسلامية
.
٢٩ مارس ٢٠٢١
قبل ٤ سنوات
 توجّه النبي –صلى الله عليه وسلم- في العام العاشر من البعثة إلى الطائف يدعوهم إلى الله - ومكث عندهم عشرة أيام - فما قبلوا وما استجابوا لدعوته ثم اجتمع له سفهاؤهم وعبيدهم يطردونه من أرضهم ويرمونه بالحجارة ومولاه زيد بن حارثة –رضي الله عنه- يدفع عنه أذاهم قدر استطاعته؛ حتى سالت الدماء من قدميه الشريفتين، وورد في السيرة أنه دعا لاحقا دعاءه المشهور قائلاً:‏
 «اللهم إليك أشكو ضَعْف قُوَّتِي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تَكِلُني؟ إلى بعيد يَتَجَهَّمُنِي؟ أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك، أو يحل علي سَخَطُك، لك العُتْبَى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك‏» متفق عليه.

- وأهم ما يستفاد من هذا الموقف وهذا الدعاء العجيب ما يلي:

1- اليقين الثابت والثقة المطلقة بوعد الله تعالى وعونه ونصره لنبيه صلى الله عليه وسلم ولكل من سار على هذا الدرب من الصحابة والمؤمنين المخلصين إلى يوم الدين ففي هذا الموقف درساً مهماً وهو أن لا تصدنا المحن والعقبات التي نلاقيها عن السير في طريق دعوتنا إلى الله، وأن لا تبث فينا روح الإحباط والكسل، فمن استمد القوة من الله جدير به أن لا يعرف لليأس والكسل معنى، فما دام الله هو الأمر، فلا شك أنه هوـ سبحانهـ المعين والناصر أيضا.

2- الاجتهاد في الدعوة وتوسعها خارج النطاق المتواجدة فيه، والتفكير بمناطق جغرافية أخرى - خاصة إذا كان الصد والإعراض عن الدعوة في موطنها الأصلي - فلا بد من المرونة والتفكير بالبدائل فوراً.

3- صبر الداعية وتحمله الأذى في سبيل الدعوة إلى الله تعالى، فالنبي –صلى الله عليه وسلم- قد صبر على الأذى وتحمل أنواع الإيذاء في سبيل الدعوة إلى الله، وثباته عليه الصلاة والسلام على الحق رغم ما لاقاه من رفض لدعوته.

4- الأخذ بالأسباب في سبيل إعلاء شأن هذا الدين، فالنبي - صلى الله عليه وسلم قد أخذ بالأسباب من أجل الدعوة ولم يكتف بكونه نبيا وإنما بذل الغالي والنفيس من أجل إعلاء كلمة الحق ، ومن الأخذ بالأسباب توجهه إلى الطائف يدعوهم إلى الإسلام.

5- شدة التضرع والتذلل وإظهار الافتقار لله رب العالمين - وخاصة في أوقات الشدة - قال تعالى: (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء)

6- أن الشكوى تكون لله تعالى لأنه بيده نصرة المظلوم ولو بعد حين.

7- التضحية في سبيل هذا الدين وبذل الغالي والنفيس في نشر دعوته ابتغاء مرضاة الله تعالى فقط (إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي)

8- أن واجب الأنبياء والرسل هو الدعوة وأما الهداية فهي بيد رب العالمين، يقول الله –تعالى-: {وَإِن تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِّن قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [العنكبوت: 18].

9- الأمل في إسلامهم مستقبلاً - بقوله في رواية أخرى عندما جاءه ملك الجبال وقال له أأمرني أن أطبق عليهم الأخشبين فقال صلى الله عليه وسلم (لا) لعل الله تعالى يخرج من أصلابهم من يؤمن بالله - وهذا ما حصل لاحقاً بالفعل حيث أسلم أهل الطائف جميعهم والحمد لله.

- فقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن انتهى من ذلك الدعاء أرسل الله تعالى إليه ملك الجبال فسلم عليه، ثم قال: يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا] (رواه مسلم)