دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لقبيلة ثقيف خاصة وقع في السنة الثامنة للهجرة، حيث كانت ثقيف قد شاركت في غزوة حنين مع قبيلة هوازن ضد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد انتصار الرسول عليه الصلاة والسلام وصحابته في الغزوة وهروب المشركين وتشتت جمعهم، لجأت ثقيف إلى حصونها في مدينة الطائف وأغلقت أبواب الحصن عليها.
فحاصرهم النبي عليه الصلاة والسلام ومن معه من المسلمين وحدثت مناوشات بن الفريقين، واستعصى الحصن على المسلمين لقوته ومناعته، وأصيب منهم نفر من المسلمين في أثناء الحصار، فاستشهد بعضهم وجرح بعضهم، وأراد رسول الله الانصراف عن الحصن، فأصر المسلمون على فتحه، فلما اشتد عليهم الأمر رضوا بالانصراف، وفي أثناء ذلك جاؤوا إلى رسول الله وطلبوا منه أن يدعو على قبيلة ثقيف بالهلكة والهزيمة، لكن النبي عليه الصلاة والسلام رفع يديه وقال:
" اللهم اهد ثقيفًا اللهم اهد ثقيفًا وائتِ بهم "رواه البحاري.
وفي رواية الإمام الترمذي في سننه عن جَابِرٍ قَالَ: قَالُوا- يعني الصحابة - يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْرَقَتْنَا نِبَالُ ثَقِيفٍ - يعني آذتنا وأضرت بنا- فَادْعُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ، قَالَ عليه السلام : "اللَّهُمَّ اهْدِ ثَقِيفًا" .
واستجاب الله دعاء رسول الله، فلم تلبث ثقيف حتى رأت أنه لا فائدة من البقاء على الكفر، وقد أسلمت العرب ودانت الجزيرة للرسول صلى الله عليه وسلم، فجاؤوا مسلمين مذعنين فأسلموا ثم حسن إسلامهم. وكان من بركة هذا الدعاء لهم أيضًا أنهم لما حصلت حرب الردة، لم يرتدوا مع من ارتد من العرب، بل وقف سيدهم وقال: كنتم آخر العرب إسلامًا فلا تكونوا أولهم ردةً، فثبتوا حتى نصر الله أبا بكر على جموع المرتدين.
أما ماذا يستفاد من دعاء النبي عليه الصلاة والسلام لثقيف بالهداية، ففي هذا أمور منها :
1. رِفقُه عليه الصلاة والسلام بأمته وشفقته عليهم، فلم يكن دافعه الانتقام أو البحث عن نصر شخصي، بل كان همه هداية الناس وإنقاذهم من النار، بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام .
قال تعالى (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ). سورة التوبة الآية ( 128).
وكذلك يجب أن يكون المسلم مشعل هداية ومصباح نور، غايته إخراج العباد من ظلمات الكفر والشرك إلى نور التوحيد والإسلام.
2. أن الغاية الحقيقية للجهاد في الإسلام هي هداية الناس وليس قتلهم، وإنْ كانت هذه الهداية تحت الخوف ابتداءً كما جرى لثقيف؛ لأن من ذاق حلاوة الإيمان لن يتركه إلا أن يشاء الله، وقد جاء في الحديث (عَجِبَ اللَّهُ مِنْ قَوْمٍ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ فِي السَّلاَسِلِ) رواه البخاري.
3. جواز الدعاء للكافر بالهداية، مع ملاحظة أن الدعاء من النبي ليس كالدعاء من أي أحد؛ لأن دعاء النبي مستجاب، فدعاؤه على الكفار يكون فيه هلكة لهم، والله يعلم أنه سيكون منهم مسلمون؛ لذلك كان غالب دعاء النبي للكفار هو بالهداية.
ولكن هذا لا يعني أنه لا يجوز الدعاء على الكافر باللعنة والهلاك والبوار والعذاب وأن ينتقم الله منه، فقد دعا النبي على أحياء من العرب الذين قتلوا وفد القرّاء الذين أرسلهم لتعليم الناس عند بئر معونة وعددهم 40 صحابيًّا ، فقنت عليهم رسول الله شهرًا. وقد دعا عليه الصلاة والسلام على صناديد قريش لما اشتد أذاهم في مكة، فاستجاب الله دعاءه وقتلوا في بدر.
والأمر يقدر بحسب حال الكافر وشدة أذاه وحربه وعداوته ورجاء هدايته، وأثر هذا الدعاء في الناس بألا يكون فيه تلبيس للحق بالباطل ، فقد يكون الدعاء للكافر بالهداية في موقف معين أفضل وأولى خاصة إذا رجي إسلامه حقًا، وكان فيه تأليف لقلبه، وقد يكون الدعاء عليه في موقف آخر هو الصحيح خاصة لما يقع منه أذى على المسلمين.
والله أعلم