اتفق المؤرخون أنه لو قدر انتصار المسلمين في معركة بلاط الشهداء لكان ذلك سبباً في انتشار الإسلام في وسط أوروبا، ولصارت أوروبا تابعة لبلاد المسلمين، ولكن قضءا لله النافذ كان غير ذلك، ولله الحكمة من قبل ومن بعد.
قال المؤرخ البريطاني أرلوند توينبي " لو قدر للمسلمين الانتصار في "تورز" لكنا نحن اليوم مسلمين ".
و" تورز " هو الاسم الذي يطلقه الأوروبيون على معركة "بلاط الشهداء"، وبعضهم يسميها معركة " بواتييه".
وهذه المعركة حصلت عام 114 هـ بين جيش المسلمين بقيادة والي الأندلس حينها التابعي الجليل عبد الرحمن الغافقي، وبين جيش الفرنجة والصلبيين بقيادة شارل مارتل ، وكان موقعها في جنوب فرنسا في منطقة تسمى " تورز".
حيث كان المسلمون فتحوا إسبانيا والبرتغال بالكامل والتي كانت تسمى الأندلس، حيث بدأت الفتوحات على يد طارق بن زياد وموسى بن نصير، ثم أراد المسلمون التوسع في الفتوحات داخل أوروبا ونشر الإسلام فيها، وفعلاً بدأت الفتوحات في جنوب فرنسا، فاستشعر الفرنجة والصلبييون الخطر الداهم عليهم فأجمعوا كل قواتهم لمعركة فاصلة مع المسلمين ، وكان قائدهم فيها " شارل مارتل".
وكان من تدبير هذا القائد أن ترك المسلمين يفتحون بعض الأراضي ويغنمون الغنائم حتى كثرت غنائمهم جداً، وكان من رأي قائد المسلمين ترك هذه الغنائم وعدم الحرص عليها واصطحابها في المعركة ولكن طائفة أصروا عليها، فصارت هذه الغنائم ثقلاً بدل أن تكون عوناً.
ولما التقى الجيشان في معركة بلاط الشهداء أو بواتييه، كانت الغلبة في أيامها الثلاث الأولى لصالح المسلمين وكنت القوة لهم، فركز شارل مارتل على مهاجمة الغنائم التي لم مع المسلمين في مؤخرة الجيش، فصار هدف جماعة من المسلمين هو الدفاع عن الغنائم فأحدث ذلك بلبلة في الجيش ولم يعودوا يقاتلون وفق الخطة الموضوعة، وصار غرض قتال طائفة منهم هو الدفاع عن الدنيا.
وقد حاول قائد المسلمين عبد الرحمن الغافقي رحمه الله تنظيم الجيش وإعادة الأمور إلى نصابها لكنه أصابه سهم أثناء ذلك واستشهد، وهذا ما زاد من البلبلة والاضطراب ، فاضطر جيش المسلمين إلى الانسحاب والعودة إلى الأندلس.
ولله تعالى حكمة ولا شك من تأخير هذا الفتح، ولكننا نؤمن بما أخبرنا به رسولنا الكريم من أنه لن تقوم الساعة حتى تفتح روما وفي هذا بشرى لكل مسلم.
وفيما حصل من هزيمة للمسلمين تأكيد لدرس أحد عندما انقلب النصر إلى هزيمة وكان السبب ما وصفه الله في كتابه ( منكم من يريد الدنيا ومنكم ومن يريد الآخرة..).
والله أعلم