قديما كانت مناطق الشام والعراق ومصر مترابطة جغرافيا، وكانت تتميز بالأراضي الزراعية، مما كان سببا لإقامة الحضارات عليها،
وأول مكان ظهرت الكتابة، كان في العراق، وكانوا
يحضرون الطين المتوافر حول مناطق الأنهار ليصنعوا منه ألواحا، وقبل جفافه كانوا يصنعون عليها أشكالا بمسمار أو بشيء حاد، وبعد تعريض الألواح الطينية لحرارة النار، يثبت الشكل الذي تم رسمه في اللوح. وبالتالي كانوا يستخدمون هذه الطريقة لتسجيل الكلام في الفترة الزمنية ما بين 5200 إلى 5500 سنة قبل يومنا هذا.
أما في مصر فكان الوضع مختلفا قليلا، حيث كانوا يكتبون على الحجارة، عن طريق حفر الكتابة في الحجارة وليس في الطين، ولم يحتاج إلى معالجة بالحرارة كما في الألواح الطينية، وكان ذلك من حوالي 5200 سنة.
نرى ضمن البواقي الأثرية
لوحة "نارمر" التي يزيد عمرها عن 5200 عام، وتعتبر من أقدم الآثار المحتوية على الكتابة في مصر، والكتابة على اللوحة تمثل توحيد القطرين المتمثلين في الدلتا والصعيد، على شكل رسم وحشين أحدهما يمثل الدلتا والآخر يمثل الصعيد، كما يوجد في نفس اللوحة شكل طائر البومة المتحد مع السمكة والذي يمثل اسم الملك "تعر-مر"، وهو الملك الذي قام بتوحيد قطري مصر.
وكانت الكتابة في مصر لها عدة أشكال، أحدها هو النقوش المصرية المقدسة "الهيروغليفية" وكانت تحفر في الأسطح. وكانت هناك أيضا
الكتابة الهيراتيكية، وهي عبارة عن نفس النقوش الهيروغليفية، إلا أنها مرسومة بطريقة أبسط، أي أن كل نقش من النقوش الهيروغليفية، لها ما يقابلها من النقوش الهيراتيكية، والهيراتيكية هي ما كانت تستخدم للمعاملات اليومية، وكذلك في الخطابات الرسمية من الملك إلى فلان وبالعكس، ولم تستخدم الكتابة الهيروغليفية في الخطابات والمعاملات اليومية لأنها رسمها أو نقشها كان يلزمه الكثير من الوقت ليتم إنجازها. واقتصر استخدام الكتابة الهيروغليفية على تزيين جدران المعابد لأن شكلها كان أجمل.
في مرحلة لاحقة، تم تبسيط الكتابة الهيراتيكية إلى الكتابة الديموتيكية، من حوالي 2700 عام، وفي منطقة اسمها "سيرابيط الخادم"، في منطقة سيناء،
تم اكتشاف في معبد حتحور، نقوشا مختلفة عن الهيروغليفية، ويعتقد بأن هذه النقوش ليست بلغة مصرية،
وسميت بالكتابة السيناوية أو الكتابة الكنعانية، ولاحقا وجدت نفس النقوش في مكان آخر اسمه وادي الحول، وفي الشام أيضا، وتعود في الزمن إلى 3600 من الآن. ويعتقد أنها لغة شامية، وتعتبر هي أصل جميع الكتابات الموجودة في العالم اليوم فيما عدا الكتابة الصينية، فهي متطورة من النقوش المصرية، وهو يتمتع بخطوط ملتفة ولولبية.
أما عن سكان منطقة لبنان، فكانوا بحارة، يشتهرون بقدرتهم على الملاحة، ولهم خطوط تجارة على مدى طول البحر المتوسط كاملا، و
كان اسمهم حينها الفينيقيين، ويسكنون لبنان، وهم من
أخذوا الكتابة السيناوية، من حوالي 3100 سنة، وقاموا بتبسيطها لعمل الكتابة الأبجدية الفينيقية.وكان الفينيقيون على اتصال مع الحضارات المقيمة في محيط البحر المتوسط، ولا تزال آثارهم موجودة في قرطاج، كما أنهم كان لهم اتصالا مع اليونانيين، حيث
كان اليونانيون يتكلمون باللغة اليونانية القديمة إلا أنهم لم يكتبوا، ولم يعلموا شيئا عنها، إلى أن قام الفينيقيون بإدخال الكتابة لليونانيين. وبالتالي
تطورت الكتابة اليونانية من الكتابة الفينيقية، والكتابة الفينيقية تطورت من الكتابة السيناوية من مصر، وعمر الكتابة اليونانية القديمة من حوالي 2700 سنة تقريبا.
في دولة العراق كان هناك مجموعة اسمهم الآشوريون، قاموا باحتلال العراق كاملة، من شمالها إلى جنوبها، ثم احتلوا أجزاء من الشام أيضا، وكان اسمهم الآشوريين نسبة إلى اسم المدينة التي خرجوا منها "آشور". في البداية،
كانوا يكتبون بإحدى أنواع الكتابة المسمارية العراقية التقليدية، من حوالي 2850 سنة، حيث أقاموا إمبراطوريتهم العظيمة،
وحين وصلوا دمشق، والتي كان اسمها في ذلك الوقت مدينة "آرام" وجدوا أنهم يستخدمون الكتابة الآرامية، وتتميز بأنها تكتب من اليمين إلى اليسار، وكانت مشتقة من الكتابة الفينيقية، وكأن لغة دمشق في الأصل مشتقة من لغة لبنان والتي بدورها مشتقة من لغة مصر، وتكمن أهمية الكتابة الآرامية في أنها أساس للكتابات الشرقية.
أحب الآشوريين الكتابة الآرامية، واستسهلوا فهمها، فقام قائدهم "تيجلاس بلشصر" بأمر استعمالها وجعلها اللغة الرسمية للدولة، إضافة إلى الكتابة التقليدية المسمارية الأكادية، ومع مرور الوقت، عمت الكتابة الآرامية، أم الأكادية فنظرا لصعوبتها لم تعد مستخدمة.
من حوالي 2630 سنة، قام نبوخذ نصر -وهو ملك من ملوك العراق- باحتلال عراق شمالها وجنوبها والشام وأجزاء من أرض العرب والأردن، بهدف توسيع المملكة أو الإمبراطورية البابلية،
واستعمل البابليين أيضا اللغة الآرامية الدمشقية الأصل، وكان نبوخذ نصر رجلا عنيفا، والقصص القديمة تقول بأنه قام بأخذ الناس من الشاميين لاستعبادهم، ونقلهم الى العراق ليعملوا فيها، وكانت الكتابة الآرامية هي الكتابة المعيارية.
ثم في مرحلة زمنية لاحقة، من حوالي 2560 أتى
أشخاص من منطقة اسمها بيرسيس أو فيرسس، وهي منطقة في إيران، كانت لهم إمبراطورية عظيمة تحت زعامة سايروس العظيم، أو قرش الأكبر، وكانت إمبراطوريته كبيرة تصل إلى أراضي الهند والباكستان إلى اليونان، وكان متسامح دينيا إلى حد بعيد، بحيث سمح للجميع باعتناق الدين الذي يريدونه بحسب اختيارهم، وقام بعتق العبيد الذي كانوا قد أخذوا بواسطة البابليين من الشام، وأرجعهم إلى بلادهم، ووصل به التسامح إلى أنه بالرغم من أنه فارسي ولا يتكلم الآرامية،إلا أنه تعلمها وأصبحت في بعد لغة إمبراطوريته الرسمية.
وبناء على ذلك
أصبحت الآرامية هي اللغة الأكثر انتشارا من ناحية الكتابة، أما الهند والباكستان فكانت اللغة المنتشرة عندهم هي اللغة البرهمية والمشتقة من الآرامية والتي لاحقا ما تحولت إلى الخطوط الهندية. والعبيد الذين رجعوا إلى الشام، والذين كانوا في بابل يكتبون بالحروف العبرية الفينيقية، أصبحوا يكتبون الحروف العبرية بالآرامية، أي أن الكتابة العبرية عبارة عن إحدى نسخ الكتابة الآرامية.
ثم منذ حوالي 2360 سنة، ظهر شخص اسمه ألكساندر العظيم، في شمال مقدونيا، أي اليونان حاليا، وكان متضايق من أمر الإمبراطورية الفارسية، فقرر أن يدمرها ليقيم إمبراطوريته، فطاح في البلاد كلها، واحتل كل مكان كان يتبع للإمبراطورية الفارسية، وهو يعد أول شخص يستبدل إمبراطورية سابقة بإمبراطورية لاحقة، أي بنفس الحدود. وقد مات في عمر صغير لا يتجاوز الثلاثين عاما، فتشتت جيشه، بحيث قام كل قائد جيش بأخذ جنوده والاستقرار في منطقة يجدها مناسبة، ومنهم بطليموس الذي قرر أن يستقر مع جيشه في مصر، ومن ثم نشبت الحروب بين قادة الجيوش المختلفة، ثم
حدث ترابط بين مصر واليونان من أجل مصالحهما المشتركة، وتم حينها اختراع الكتابة القبطية، وهي كتابة مصرية ولكن بحروف يونانية، والكتابة القبطية كانت قبل المسيحية وقبل ميلاد المسيح.
فيما يلي بعض الروابط التي قد تهمك :
الكتابة المسماريةالكتابة الهيروغليفيةنبوخذ نصرقضاء الكساندر الأكبر على الفرس