ربما تعرف شيئًا عن الأحداث التي صاحبت الانفلونزا الاسبانية، والتي كانت في الفترة بعد الحرب العالمية الأولى. كان أمرًا جللًا حينها، حيث خسر العالم الكثير من الناس جراء الإصابة بها. لكن يبدو أنك لا تعرف مرضًا آخر صاحب تلك الفترة أيضًا، حيث كان هناك ما يسمى بالتهاب الدماغ النوامي.
التهاب الدماغ النوامي هو مرض شديد الندرة، إلا أنه خطير جدًا. حيث أنه سبب في مقتل الكثير من الأشخاص، حتى أن بعض الأطباء والباحثين قد ربطوا ظهور هذا الالتهاب النوامي بالأنفلونزا الاسبانية كنتيجة لها، حيث أنهم استطاعوا إيجاد مستضدّات الانفلونزا في داخل أجساد المصابين. ألا أنهم وضعوا احتمالات أخرى كثيرة جعلت من تحديد التشخيص والعلاج أمرًا ليس بالسهل أبدًا.
التهاب الدماغ النوامي هو عبارة عن الالتهاب الذي يصيب المادة الرمادية في الدماغ. أما عن أعراضه فغالبًا ما تبدو على شكل صداع، ارتفاع بدرجة حرارة الجسم (حمى)، وألم والتهاب بالحلق. ثم يتطور الأمر، فيبدأ المصاب بالشعور بالألم في العضلات، ورعشة، ثم يحدث تأخر في ردود الفعل العقلية وكذلك الجسدية. تاليًا، يظهر على الشخص الارتياب، والتوتر، والهلوسة، وربما يدخل المريض بغيبوبة، هذا إن لم يدخل بما يسمى بشذوذ الحركة (الإغماء التخشبي)، بهذا يصبح المريض غير قادر على الحركة أو الكلام، ومع ذلك فهو مستيقظ ويرى ويتابع حركة من حوله بواسطة عينيه.
أما عن العلاج فلم يكن الأمر سهلًا أبدًا. إلا أنه في تلك الفترة، كان الدكتور أوليفر ساكس مسؤولًا عن مجموعة من المرضى الذي كانوا فاقدين القدرة تمامًا على الحركة لفترات طويلة جدًا امتدت لعقود، وكان قد لاحظ أيضًا أنهم يحملون بعض أعراض مرض باركنسون. في ذلك الوقت كان دكتور ساكس قد أوجد دواء L-DOPA لعلاج الباركنسون، والذ يعمل هذا الأخير على رفع الدوبامين كنسبة في الدماغ. وفعلًا قام الطبيب بتجربة هذا الدواء لكن بجرعات أكبر على مرضاه، وكانت النتيجة مرضية حقًا. لكن للأسف؛ فقد كانت نتيجة مؤقتة، حيث بعد فترة قصيرة عادت الأعراض تظهر على المرضى، وتبعها حالة الشلل الحركي السابقة.
والآن وبعد طوال تلك المدة، لم نعد نرى حالات مطابقة لالتهاب الدماغ النوامي، ربما تتشابه حالات إلا أنها لم تصل ذاك الحد أبدًا. حيث أن هذا المرض كان قد تلاشى قبل أربعينيات القرن الماضي.
في حال قررت التعرف بشكل أكبر على هذه الحالة، فيسرني أخبارك أن الدكتور الطبيب أوليفر ساكس كان قد عمل على كتاب باسم "اليقظة"، يحمل في طياته قصص لبعض المرضى الذين استطاعوا النجاة من هذا الوباء الغامض بصعوبة.