الناظر في حال العرب قبل الإسلام وبعده، والمقارن بين الشعوب التي تعتنق الإسلام الصحيح وتلك التي لا تعرف عنه شيئاً يعي تماماً كيف أن الإسلام دين التسامح والسلام واللين والرحمة والرأفة، يعي أن الإسلام جاء لانتشالنا من مستنقعات الجهل والوهم إلى أفق الضياء والنور ليس فقط من ناحية كونه دين سمح هيّن لين، إنما من جميع جوانب الحياة، وأخص بالذكر كيف انتشل المرأة من ظلمات الجاهلية وأعطاها حقوقها كاملة وميزها وقدرها وأعطاها منزلة اللؤلؤة المكرمة التي لا يمسها أحد لعلو شأنها وقدر ثمنها.
حث الإسلام الحنيف منذ بزوغ فجره على التآخي ونشر الطمأنينة والسكينة والبعد كل البعد عن الحروب والخراب والتدمير، وأول مثال عملي على السلام كان عندما آخى عليه الصلاة والسلام بين المهاجرين والأنصار لينشر الطمأنينة في المدينة ويعتاد المسلمون على اقتسام حتى قوت عيشهم مع إخوانهم المهاجرين.
وشجع على استخدام الرفق واللين في مخاطبة الغير والبعد عن التنفير بالأسلوب الهمجي المؤذي، يقول تعالى : ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ " وهنا يتضح جلياً الأسلوب الذين يريدنا عز وجل استخدامه مع كافة الناس وليس فقط مع من يعتنقون الإسلام في مخاطبتهم سواء بالدعوة أو في المعاملة اليومية العادية.
" وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ" وهنا تظهر شكل المعاملة التي تقوم على العدل واختيار جانب السلم عند الحكم بين طائفتين.
وفي أدب الحرب كان يوصي نبينا المختار محمد صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يقاتلوا العدو فقط ويبتعدوا تماماً عن قتال المدنيين العزل الذي لا ذنب لهم في المعركة، يقول المختار :"اغزُوا باسم الله، وفي سبيل الله، وقاتِلوا مَن كَفَر بالله، اغزوا ولا تَغدِروا، ولا تَغلُّوا ولا تُمثِّلوا، ولا تقتلوا وليدًا." وفي رواية أخرى " ولا تقتلوا وليدًا طِفلًا، ولا امرأةً، ولا شيخًا كبيرًا." وحث عن البعد بالتنكيل والتمثيل بالجثث كما يفعل البعض لما فيه من تباهٍ بعدم السوية النفسية فالهدف من المعركة بالأصل هو الدفاع إما عن الوطن والأهل والشرف وإما الدفاع عن الدين، فلم تكن الحروب لسد الحاجات غير السوية والرغبة في القتل والتدمير والتنكيل أو من غير معنى. وفي نفس السياق بعدم القتال إلا للدفاع عن النفس والدين يقول الله عز وجل : "وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ".
وأكبر مثال عملي على دعوة الإسلام لنبذ الكراهية والعنف هي فرض الجزية على أهل الكتاب من اليهود والنصارى والسماح لهم بإقامة طقوسهم الدينية دون حربهم أو معاملتهم معاملة غير لائقة، فالتسامح هذا في العيش خير مثال على سماحة الإسلام، وتكاد لا تحصى تلك الشواهد سواء من القرآن أو السنة أو القصص والأمثلة التطبيقية في هذا الشأن،ولكن المهم والأهم أن يؤخذ الإسلام من مصادره لا أن نعتمد الأشخاص ممن لا يطبقونه تطبيقاً في الحكم على الإسلام.