لقد اقتضت حكمة الله تعالى أن يكون الرسل والأنبياء من نفس أقوامهم وليسوا رجالاً غرباء عنهم، وذلك لحكم كثيرة منها:
1- لأنه من عادة الناس أن يستوحشوا من الرجل البعيد عن قبيلتهم وعن ملتهم، فلا يعرفوه ولا يعرفوا صدقه من كذبه، ولا يعرفوا نسبه وفصله.
2- وكان من عادة الناس أنها تؤمن وتثق بمن تعرف - فناسب أن يكون الأنبياء من نفس القوم ومن جنسهم بل ومن أفضلهم خلقاً وأمانةً ونسباً ورجاحة عقل. فكل جنس يأنس لجنسه، وينفر من غيره.
3- ولأن إرسال الرسل من البشر يؤدي إلى الأنس والسكن وتآلف الطباع، فلو كانت الرسل من غير البشر كالملائكة نحو لما أطاق الناس ذلك.
4- لأن الرسول يعلم عادات قومه ويعلم ما ينكروه وما ينبدوه ويعلم أدق عقائدهم، ويعرف الأساليب التي ينبغي عليه أن يسلكها من أجل دعوتهم لرسالته.
5- لأن الله تعالى أختار الرسل، من أشرف الناس في قومهم فهذا نبينا محمد عليه الصلاة والسلام اختاره الله تعالى، لأنه كان من أفضل قومه، ومن أشهرهم، ومن أشرفهم، ومن أصدقهم، فكانوا يسمونه الصادق الأمين، فكان له مكانة، ومنزلة في قومه فهو من أشرف العرب نسباً، لذلك يقول في الحديث الصحيح: (إنَّ اللَّهَ اصطفى مِن ولدِ إبراهيمَ، إسماعيلَ، واصطَفى من ولدِ إسماعيلَ بَني كنانةَ، واصطَفى من بَني كنانةَ قُرَيْشًا، واصطفى من قُرَيْشٍ بَني هاشمٍ، واصطَفاني من بَني هاشمٍ) صحيح الترمذي
6- ولأن قومه لا يستطيعوا أن يجحدوه، وأن يجحدوا فضله، وأن يزدروه ويحتقروه، لأنه لا يوجد دليل لدى القوم على ذلك.
7- لأن النبي أو الرسول لو كان غريباً على القوم لما آمنوا به وصدقوه، فكان من قومهم ليكون أدعى لقبولهم دعوته.
8- كما اقتضت حكمة الله أن تكون معجزة النبي أو الرسول من جنس ما يشتهرون به أقوامهم، نحو:
- كانت معجزة سيدنا موسى عليه السلام (العصا) تحويلها إلى (حية تسعى) لأن قوم فرعون وقومه كانوا يشتهرون بالسحر.
- وكانت معجزة عيسى عليه السلام غبراء الأكمة والأبرص وإحياء الموتى، لأن قومه كانوا يشتهرون (بالطب)
- وكانت معجزة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم (القرآن الكريم) لأن قومه قريش كانوا يشتهرون باللغة والفصاحة والبلاغة.