هل سبق لك أن قرأت إحدى القصائد الشعرية؟
اذا كان جوابك نعم، فسوف يكون سؤالي لك كالآتي ما مدى ملامسة هذه الكلمات لقلبك، وكيف استطاعت معانيها ان تأسر روحك؟
ولعل الجواب الذي تفكر فيه الآن موجود أمامك و مخبأ خلف حروف القصيدة الشعرية التي قرأتها، اذ انها ببساطة تنتمي الى أحد أعظم الفنون الادبية عبر العصور، ويمكن تعريفه على انه يمثل الكلام البليغ المبني على الاستعارة والوصف، وهو كلام موزون مقفى الذي من خلاله يمكنك التعبير عن أي شعور بداخلك بكل فصاحة.
لقد قُسم الفن الشعري الى العديد من الاقسام عبر العصور، حيث تغنى الشعراء بقصائدهم و اساليبهم المختلفة التي كانت في كل مرة تترك بصمة شعرية عظيمة عبر الزمن، حيث أن بعضهم فضل كتابة الشعر بشكل مستقل، و البعض الاخر حبس كلماته في هيكل القصيدة وتركها تبحر في اعماقه، بينما فضل البعض الآخر ان تتراقص كلماته الشعرية على وقع الفنون الاخرى مثل الدراما الشعرية و شعر النثر و التراتيل، ليخلق منها نوعا من الموسيقى المحملة بحروف اوتار الأدب.
اما بالنسبة الى الجزيرة العربية فقد اشتهرت منذ العصور القديمة بشعرائها، و القصائد التي احتلت مكانة فريدة في نفوس العرب، حيث امتاز العرب قبل الإسلام بقدرتهم على الإفصاح عن رسائلهم عبر ما يسمى الشعر الجاهلي، حيث استطاعوا من خلاله تخليد مآثر الاقوام وصفاتهم الحميدة التي كانوا يفخرون بها مثل الكرم و الجود، و تسجيل معارك انتصاراتهم.
وبعد ما ازدهرت الجزيرة العربية بنور الإسلام، ازدهر معها الشعر بكل جوانبه، حيث اندفع العديد من الشعراء في هذا العصر الى خط العديد من القصائد التي كانت تتسم بالحكمة و المعرفة المستنبطة من قواعد الإسلام، حيث انهم شكلوا اساسا لعقيدة شعرية تزهر بالحقيقة.
ولعل أبرز شكل من أشكال الشعر في صدر الإسلام هو شعر المغازي حيث جسد العديد من النفحات الروحية التي رصدت تاريخ الإسلام وعظمته في تفاصيل واقع غزوات المسلمين، حيث كانت الأقلام والأحبار أسلحة دافع بها المسلمون عن دينهم الحنيف، و استطاعوا من خلالها اصابة أعدائهم بأسهم الكلمات و التغني بانتصاراتهم بأسلوب شعري يتصف بالحماس ويدعو للفخر.
كانت اشعار الغزوات تمتاز بقدرتها على زرع مشاعر الامل و الحماسة في قلوب كل من يستمع إليها، ورسم صورة عظيمة لانطلاقة الإسلام الواسعة، بحيث ان هذه الاشعار كانت أبعد ما يمكن عن الصفات المتطرفة و الأهواء الشخصية، و التزمت بأشعارها التي يغلب عليها الطابع الديني، و التي تعكس عظمة العقيدة الراسخة والإيمان، ولكي تطوف بالفرد في ارجاء الحقيقة و تزيل عن مساره آثار ضباب أوهام الجاهلية.
لكن ولسوء الحظ لقد ضاع العديد من شعر الغزوات لأسباب كثيرة من ضمنها استشهاد شعرائها، وقصر فترة الفتوح، و تركيز المؤرخون على أحداث الغزوات و عدم الاكتراث الى الشعر الذي برأيي كان يحمل راية النصر في الصفوف الاولى للجيوش.
من وجهة نظري اعتبر كتاب "شعر الفتوح الإسلامية في صدر الإسلام" للكاتب السيد النعمان القاضي هو من أفضل المصادر التي اعتمدها عند البحث عن أحد هذه الأشعار، حيث انه يتناول دراسة فنية في شعر الفتوح في الفترات المشرقة من فترات التاريخ الإسلامي، يجسد بأسلوب واضح وصريح الانقلاب الذي حدث للعالم عند دخول نور الإسلام إلى سماء الكون و ارتقائه بالنوازع الوجدانية الفردية الضيقة وتحويلها الى الوجدان المتوحد الذي يعكس الإيمان.
لقد كان للشعر دور كبير في ابراز صورة الاسلام و الاحتفاء بانتصاراته، لذلك برأيي يجب علينا أن نخلد هذا الأدب العظيم و نعمل على حفظه في كتب التاريخ عبر العصور، ليكون بمثابة لوحة ادبية مشرقة تعكس الصورة الحقيقية للاسلام.