ربما يجب عليك أن تعلم بدايةً أنه لا يوجد قيم محددة تدافع عنها الفلسفة، وإن صادفت أن قرأت لفيلسوف يحث على قيمة معينة، فذلك لا يعني حقًا أن الفلسفة هي وسيلة لتصنيف وفرض الأخلاقيات والقيم. على العكس من ذلك؛ إن وظيفة الفلسفة بشكل أساسي مختلفة تمامًا عن ذلك، حيث تهتم بشكل التفكير وكيفية إعمال العقل بشكل يمكن المفكر من خلق قيمه التي يؤمن بها من خلال فلسفة الأمور من منظوره وحسب طريقته.
لكن كما ذكرت لك، هنالك الكثير من الفلاسفة الذين طرحوا العديد من القيم والأخلاق من وجهة نظرهم، وعلى رغم الاختلاف الظاهر بين الكثير منهم، إلا أن مجموعة كبيرة منهم اتضح أنهم اتفقوا على حفنة من القيم الأخلاقية، وهي التي سأطرحها عليك الآن.
أكثر ما تحدث عنه الفلاسفة حسب الأغلبية التي يمكن ملاحظتها بسهولة هو السلام؛ وذلك يكون عن طريق نبذ العنف، والدعوة للتعايش بسلمية قدر الإمكان. ولا أستطيع تحديد فلاسفة معينين تحدثوا عن السلام لكثرتهم، إلا أنني يمكنني أن أخبرك ببساطة عن الفيلسوف كانط، الذي لطالما نادى بالسلام المستمر بين البشر، وكذلك التسامح وأهمية قيم الحوار الفعال. ولا شك أنك ستلاحظ عدد لا بأس به يتحدث - وإن كان بشكل غير مباشر- عن أمور عارضت السلام، أو قد تؤدي بشكل أو بآخر لنزاعات لا تنتهي.
من الأمور الأخرى التي ذكرتها الفلسفة من قيم فضيلة هي حب الخير للغير، وأن يتعدى الشخص حبه لذاته، وأن يبدأ ينظر للأمور من منظور مصلحة عامة أو ما شابه. يقول الفيلسوف البريطاني برتراند راسل في هذا الأمر أن الفائدة من الفلسفة تتمحور حول فكرة تجاوز كل أمر مرتبط بمصالحنا الشخصية. حيث أن راسل يرى أن نبحث في القيمة من الأسئلة الفلسفية التي نطرحها، لا من أجل قيمة الإجابات، وكل ذلك بالنهاية سيصب في مصلحة العامة.
وقام أيضًا الفيلسوف سقراط بذكر أهمية السلوك الرزين الذي يعتقد أنه توصل له من خلال الفلسفة، وقام يدعو الغير بذلك. حيث ذكر أن الفرد الذي يبدي سلوكًا سيئًا هو بالأصل شخصٌ جاهل. وبالسلوك المتعقل الذي يتحدث عنه سقراط؛ هو بذلك لا ينفصل عن فكرة الخير ذاتها، بل يعززها.
وكذلك، كان للفلسفة دور كبير في رفع قيمة الواجب الأخلاقي للفرد. وكان للفيلسوف كانط كبير الأثر في هذا الإتجاه، حيث تحدثت أقواله وكتبه ومقالاته عن الأساس الواضح المهم للفعل الأخلاقي. وتلخّص كل ذلك في أن كل فرد عاقل سيتقبل كل فعل أخلاقي، وسيتخذه على شكل واجب حتى وإن تعارض الأمر مع ميول ذاته الداخلية.
ربما تبدو الفلسفة في غالب الأحيان بعيدة عن الواقع. لكن الحقيقة غير ذلك، حيث إن أدواتها وإن كانت متعالية، إلا أن لها كبير الأثر في صبغ القيم البشرية بشكلٍ ما، والحياة الإنسانية بأكملها بشكلٍ عام.