- العادات التي يُساعدنا شهر رمضان الفضيل في تكوينها خَيِّرة وكثيرة، ولو عددناها لاحتجنا مقالاً كاملاً من عدة صفحات لا جواباً بعدة كلمات، أستطيع أن أجمِلَها في نقاط رئيسية، ألا وهي:
1- عادات تعود نتائجها على المرء لنفسه ويُمكن لأغلب المسلمين من كافة الأعمار وكلا الجنسين أن يقوموا بها ويحافظوا عليها، ومنها:
دوام ذكر الله عز وجل والمتمثل بالعبادات العديدة الكثيرة والوفيرة، أولها المحافظة على الصلاة المفروضة في أوقاتها، تابعاً بذلك صلاة السنة، والمتمثلة بركعتي الضحى، وصلاة التراويح، وصلاة الوتر.
ثانياً دوام قراءة القرآن الكريم بجزء واحد في اليوم، وتلاوة أذكار الصباح والمساء، والدعاء في الصلاة وفي السجود بالتحديد وفي وقت السحر قبل تناول وجبة السحور.
ثالثاً غض البصر والسمع عن الإثم والفواحش ما ظهر منها وما بطن، وإذا ما حصل في ظل المجتمعات الجاهلية فعليك اتباع ذلك بالاستغفار والاستعاذة بالله عزَّ وجل من الشيطان الرجيم.
2- ومن العادات التي يؤجر عليها صاحبها في الآخرة ويَلمس خيرها المجتمع:
أولاها صلة الرِّحم والتواصل مع الأقارب والأصحاب والأحباب والجيران، سواء أكان ذلك بإقدام عمل العزائم والولائم الرمضانية أو التواصل عبر المكالمات أو وسائل التواصل الاجتماعي الإلكترونية، أو بتقديم جزء من وجبة الإفطار للجيران ومن حولك من الأحباب وغيرهم.
ثانياً العفو عن الناس ونشر المحبة والتراحم، فعندما يحصل حادث ما كأن يسبُّك شخص ما أو ينعركَ شخصٌ ما في السوق بسبب التزاحم أو أن يحدث حادثاً عرضيّاً في السيارة يثير من غضبك ويكون ذاك الحادث هيّن فتذكر أن الله عز وجل يحبُّ معاليَ الأمور ويكره سفاسفها، وأَتْبِعْ الحادث بالتعامل الطيّب وضمن الحق الذي أنت عليه، بعيداً عن العصبية والغضب اللذان قد يدفعان الأمور للأسوأ، وأتبع الغضب بالاستعاذة من الشيطان الرجيم لأن الغضب من الشيطان.
قال الرسول ﷺ: "إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ مَعاليَ الأُمورِ، وأَشرافَها، ويَكرَهُ سَفْسافَها"، وقال الرسول ﷺ: "ما تعدون الصرعة فيكم؟" قالوا: الذي لا تصرعه الرجال. فقال:" لكنه الذي يملك نفسه عند الغضب".
ثالثاً مساعدة الأيتام والمساكين وأبناء السبيل والمنقطعةَ بهم السُّبُلَ، وذلك إما بدوام تقديم وجبات الإفطار لهم، أو بتقديم جزءاً من المال لهم يكفون به حاجاتهم، وتُدخل السرور على قلوبهم وقلوب أبنائهم.
- للمواظبة والمحافظة على ما سبق من عبادات بعد انقضاء الشهر الفضيل فيكون بالخطوات التالية التي من المُمكن تلخيصها بمقولة (قليلٌ دائم خيرٌ من كثيرٍ منقطع):
1- محاولة أن تقوم بأداء الصلاة المفروضة مع الجماعة، وإن لم يكن في الاستطاعة فحاول أداء الصلاة على وقتها ولا تؤخرها أو تسوِّفها، وإن فاتت فاقضها ولا تتركها.
2- حافظ على السنة التي تأتي مع الفريضة سواء أكانت قبلها أم بعدها، حتى لو لم يكن هنالك التزام بصلاة السُّنة مع الصلاة المفروضة لكن قليلاً دائم خيرٌ من كثيرٍ منقطع.
3- المحافظة على قيام الليل في الثلث الأول قبل النوم أو نصفه أو ثلثه الأخير قبل الفجر، وذلك بصلاة ركعتين على الأقل، حتى ولو كانت مرة في الأسبوع الواحد.
4- المحافظة على صلاة الضحى حين الاستيقاظ من النوم وقبل الخروج من المنزل إلى العمل أو الدراسة.
5- المحافظة على صلاة الوتر قبل النوم يوميّاً بثلاث ركعات ولا داعي للإطالة فيهم، يكفي أن يكون القلب فيهم خاشعاً ومتضرعاً لله داعياً له في الصلاة، ويُمكن أن تكون صلاة الوتر بركعاتها المتعددة ما بين 5 إلى 8 دقائق كحد أدنى.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: " أوصاني خليلي ﷺ بثلاث: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام"، وقال رسول ﷺ: " الوتر حق على كل مسلم، من أحب أن يوتر بخمس فليفعل، ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل، ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل".
6- المحافظة على قراءة القرآن الكريم ولو صفحة واحدة في اليوم الواحد، أو أن تقرأ من القرآن الكريم مباشرة في الصلاة حتى ولو لم تكن حافظاً، وذلك بمسكك لكتاب الله أو من خلال تطبيقات القرآن الكريم المتوفرة على الهواتف، من أجل عدم تكرار الآيات التي تحفظها في كل ركعة وتجنباً للملل الذي قد يحدث جرّاء صلاتك للفريضة والسنة بنفس الآيات التي يُمكن أن تتلوها كل مرة.
7- تذكر أن (الله شاهدي الله ناظرٌ إلي)، فحينما يسترق سمعك أو نظرك إلى الإثم والفواحش استعذ بالله عز وجل، وأشغل نفسك بطاعة الله، والزم الصحبة الصالحة.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "إذا كان الشغل مجهدة فإن الفراغ مفسدة"، وقال الله تعالى في سورة الكهف: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا).
8- وبالنسبة للتعامل مع البشر جميعاً فعليك إلزام نفسك مع الصُحبة الصالحة التي تنصرك ظالماً أو مظلوماً، وحاول المدوامة على تقديم المساعدة وقتما أُتيحت لك الفرصة، وحاول أن تجعل يدك خيّرة بالعطاء مصحوبةً بالصدقة التي ترفع البلاء وتدفع المرضَ عن أهل البيت، وتذكر أن النبي محمد ﷺ من أحسن الناس أخلاقاً في تعامله مع كل الناس، فاقرأ في سيرته وتعلم كيف كان يُعامل الناس بأخلاقهم وما يطلبه ديننا الإسلامي في التعامل مع البشر على حدٍّ سواء ومارس تلك الأخلاق والمُعاملة تفلح، وتذكر (يَصلحُ المجتمع بصلاح أفراده).
قال رسول ﷺ: " انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً "، فقال رجل: يا رسول ﷺ أنصره إذ كان مظلوماً، أفرأيت إذا كان ظالماً كيف أنصره؟!، فقال: " تحجزه أو تمنعه من الظلم، فإن ذلك نصره "، وقال رسول الله ﷺ: " صنوا أموالكم بالزكاة، وداووا مرضاكم بالصدقة، واستقبلوا أمواج البلاء بالدعاء والتضرع "، وقال أيضاً: " خيركم خيركم لأهله ".
واعلم أن الإنسان بطبيعته التي خُلقَ عليها مجبولٌ على العادة، فإذا ما تعوَّد على أمر وألزمه لنفسه، أصبح جزءاً من حياته اليومية التي يُمارسها، وشهر رمضان شهرٌ فيه قُرابة الثلاثين يوماً، وهي المدة الكافية لأن يكون شهر رمضان شهر التغيير والصلاح وكسب العادات الحسنة.